أحكام القرآن (الجصاص)، ج ٥، ص : ٣٥٣
في أمرها وقال الأوزاعى في رجل طلق امرأته وهي شابة فارتفعت حيضتها فلم تر شيئا ثلاثة أشهر فإنها تعتد سنة قال أبو بكر أوجب اللّه بهذه الآية عدة الآيسة ثلاثة أشهر واقتضى ظاهر اللفظ أن تكون هذه العدة لمن قد ثبت إياسها من الحيض من غير ارتياب كما كان قوله وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ لمن ثبت أنها لم تحض وكقوله وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ لمن قد ثبت حملها فكذلك قوله وَاللَّائِي يَئِسْنَ لمن قد ثبت إياسها وتيقن ذلك منها دون من يشك في إياسها ثم لا يخلو قوله إِنِ ارْتَبْتُمْ من أحد وجوه ثلاثة إما أن يكون المراد الارتياب في أنها آيسة وليست بآيسة أو الارتياب في أنها حامل أو غير حامل أو ارتياب المخاطبين في عدة الآيسة والصغيرة وغير جائز أن يكون المراد الارتياب في أنها آيسة أو غير آيسة لأنه تعالى قد أثبت من جعل الشهور عدتها أنها آيسة والمشكوك فيها لا تكون آيسة لاستحالة مجامعة اليأس الرجاء إذ هما ضدان لا يجوز اجتماعهما حتى تكون آيسة من المحيض مرجوا ذلك منها فبطل أن يكون المعنى الارتياب في اليأس ومن جهة أخرى اتفاق الجميع على أن المسنة التي قد تيقن إياسها من الحيض مرادة بالآية والارتياب المذكور راجع إلى جميع المخاطبين وهو في التي قد تيقن إياسها ارتياب المخاطبين في العدة فوجب أن يكون في المشكوك في إياسها مثله لعموم اللفظ في الجميع وأيضا فإذا كانت عادتها وهي شابة أنها تحيض في كل سنة مرة فهذه غير مرتاب في إياسها بل قد تيقن أنها من ذوات الحيض فكيف يجوز أن تكون عدتها سنة مع العلم بأنها غير آيسة وأنها من ذوات الحيض وتراخى ما بين الحيضتين من المدة لا يخرجها من أن تكون من ذوات الحيض فالموجب عليها عدة الشهور مخالف للكتاب لأن اللّه تعالى جعل عدة ذوات الإقراء الحيض بقوله تعالى وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ولم يفرق بين من طالت مدة حيضتها أو قصرت
ولا يجوز أيضا أن يكون المراد الارتياب في الإياس من الحمل لأن اليأس من الحيض هو الإياس من الحبل وقد دللنا على بطلان قول من رد الارتياب إلى الحيض فلم يبق إلا الوجه الثالث وهو ارتياب المخاطبين على ما روى عن أبى بن كعب حين سأل النبي صلّى اللّه عليه وسلّم حين شك في عدة الآيسة والصغيرة وأيضا لو كان المراد الارتياب في الإياس لكان توجيه الخطاب إليهن أولى من توجيهه إلى الرجال لأن الحيض إنما يتوصل إلى معرفته من جهتها ولذلك كانت مصدقة فيه فكان يقول إن ارتبتن أو ارتبن «٢٣- أحكام مس»


الصفحة التالية
Icon