أحكام القرآن (الجصاص)، ج ٥، ص : ٤٢
تحريم اللّه تعالى إياها عليه بالطلاق الثلاث إلا بعد زوج دلالة على بطلان الاستثناء بعد السكوت ولما صح ذلك في الإيقاع في أنه لا يصح الاستثناء إلا موصولا بالكلام كان كذلك حكم اليمين وأيضا قال اللّه تعالى في شأن أيوب حين حلف على امرأته أنه إن برأ ضربها فأمره اللّه تعالى أن يأخذ بيده ضغثا ويضرب به ولا يحنث ولو صح الاستثناء متراخيا عن اليمين لأمره بالاستثناء فيستغنى به عن ضربها بالضغث وغيره ويدل عليه
قول النبي صلّى اللّه عليه وسلّم من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه
ولو جاز الاستثناء متراخيا عن اليمين لأمره بالاستثناء واستغنى عن الكفارة وقال صلّى اللّه عليه وسلّم إنى إن شاء اللّه لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني ولم يقل إلا قلت إن شاء اللّه
فإن قيل
روى قيس عن سماك عن عكرمة أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال واللّه لأغزون قريشا واللّه لأغزون قريشا ثم سكت ساعة فقال إن شاء اللّه
فقد استثنى بعد السكوت قيل له
رواه شريك عن سماك عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال واللّه لأغزون قريشا ثلاثا ثم قال في آخر هن إن شاء اللّه
فأخبر أنه استثنى في آخرهن وذلك يقتضى اتصاله باليمين وهو أولى لما ذكرنا وفي هذا الخبر دلالة أيضا على أنه إذا حلف بأيمان كثيرة ثم استثنى في آخرهن كان الاستثناء راجعا إلى الجميع واحتج ابن عباس ومن تابعه في إجازة الاستثناء متراخيا عن اليمين بقوله تعالى وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ فتأولوا قوله وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ على الاستثناء وهذا غير واجب لأن قوله تعالى وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ يصح أن يكون كلاما مبتدأ مستقلا بنفسه من غير تضمين له بما قبله وغير جائز فيما كان هذا سبيله تضمينه بغيره وقد روى ثابت عن عكرمة في قوله تعالى وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ قال إذا غضبت فثبت بذلك أنه إنما أراد الأمر بذكر اللّه تعالى وأن يفزع إليه عند السهو والغفلة وقد روى في التفسير أن قوله تعالى وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ إنما نزل فيما سألت قريش عن قصة أصحاب الكهف وذي القرنين فقال سأخبركم فأبطأ عنه جبريل عليهما السلام أياما ثم أتاه بخبرهم وأمره اللّه تعالى بعد ذلك بأن لا يطلق القول على فعل يفعله في المستقبل إلا مقرونا بذكر مشيئة اللّه تعالى وفي نحو ذلك ما
روى هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أبى هريرة قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال سليمان بن داود واللّه لأطوفن


الصفحة التالية
Icon