أحكام القرآن (الجصاص)، ج ٥، ص : ٤٥
ابن أبى وقاص عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم خير الذكر الخفى وخير الرزق ما يكفى وعن الحسن إنه كان يرى أن يدعو الإمام في القنوت ويؤمن من خلفه وكان لا يعجبه رفع الأصوات
وروى أبو موسى الأشعرى أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كان في سفر فرأى قوما قد رفعوا أصواتهم بالدعاء فقال إنكم لا تدعون أصما ولا غائبا إن الذي تدعونه أقرب إليكم من حبل الوريد
قوله تعالى وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي روى عن مجاهد وقتادة وأبى صالح والسدى إن الموالي العصبة وهم بنو أعمامه خافهم على الدين لأنهم كانوا شرار بنى إسرائيل
قوله تعالى فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ سأل اللّه عز وجل أن يرزقه ولدا ذكرا يلي أمور الدين والقيام به بعد موته لخوفه من بنى أعمامه على تبديل دينه بعد وفاته وروى قتادة عن الحسن في قوله تعالى يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ قال نبوته وعلمه وروى خصيف عن عكرمة عن ابن عباس قال كان عقيما لا يولد له ولد فسأل ربه الولد فقال يرثني ويرث من آل يعقوب النبوة وعن أبى صالح مثله فذكر ابن عباس إنه يرث المال ويرث من آل يعقوب النبوة فقد أجاز إطلاق اسم الميراث على النبوة فكذلك يجوز أن يعنى بقوله يَرِثُنِي يرث علمي وقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم
وقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كونوا على مشاعركم يعنى بعرفات فإنكم على إرث من إرث إبراهيم
وروى الزهري عن عروة عن عائشة أن أبا بكر الصديق قال سمعت النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يقول لا نورث ما تركنا صدقة
وروى الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان قال سمعت عمر ينشد نفرا من أصحاب النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فيهم عثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وطلحة أنشدكم باللّه الذي به تقوم السموات والأرض أتعلمون أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال لا نورث ما تركنا صدقة قالوا نعم
فقد ثبت برواية هذه الجماعة عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أن الأنبياء لا يورثون المال
ويدل على أن زكريا لم يرد بقوله يرثني المال إن نبي اللّه لا يجوز أن يأسف على مصير ماله بعد موته إلى مستحقه وإنه إنما خاف أن يستولى بنو أعمامه على علومه وكتابه فيحرفونها ويستأكلون بها فيفسدون دينه ويصدون الناس عنه
قوله تعالى إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا فيه الدلالة على ترك الكلام واستعمال الصمت قد كان قربة لولا ذلك لما نذرته مريم عليها السلام ولما فعلته بعد النذر وقد روى معمر عن قتادة في قوله