أحكام القرآن (الجصاص)، ج ٥، ص : ٤٧
يصف نفسه بصفات الحمد والخير إذا أراد تعريفها إلى غيره لا على جهة الافتخار وهو أيضا مثل قول يوسف عليه السلام اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ فوصف نفسه بذلك تعريفا للملك بحاله قوله تعالى وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا روى عن الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير والسدى قالوا دهرا طويلا وعن ابن عباس وقتادة والضحاك مليا سويا سليما من عقوبتي قال أبو بكر هذا من قولهم فلان ملي بهذا الأمر إذا كان كامل الأمر فيه مضطلعا به
قوله تعالى أَضاعُوا الصَّلاةَ قال عمر بن عبد العزيز أضاعوها بتأخيرها عن مواقيتها ويدل على هذا التأويل
قول النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ليس التفريط في النوم إنما التفريط أن يدعها حتى يدخل وقت الأخرى
وقال محمد بن كعب أضاعوها بتركها
قوله تعالى هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا قال ابن عباس ومجاهد وابن جريح مثلا وشبيها وقوله تعالى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا قال ابن عباس لم تلد مثله العواقر وقال مجاهد لم نجعل له من قبل مثلا وقال قتادة وغيره لم يسم أحد قبله باسمه وقيل في معنى قوله هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا أن أحدا لا يستحق أن يسمى إلها غيره وقوله تعالى إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا فيه الدلالة على أن سامع السجدة وتاليها سواء في حكمها وأنهم جميعا يسجدون لأنه مدح السامعين لها إذا سجدوا وقد روى عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم إنه تلا سجدة يوم الجمعة على المنبر فنزل وسجدها وسجد المسلمون معه
وروى عطية عن ابن عمر وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب قالوا السجدة على من سمع وروى أبو إسحاق عن سليمان بن حنظلة الشيباني قال قرأت عند ابن مسعود سجدة فقال إنما السجدة على من جلس لها وروى سعيد بن المسيب عن عثمان مثله قال أبو بكر قد أوجبا السجدة على من جلس لها ولا فرق بين أن يجلس للسجدة بعد أن يكون قد سمعها إذ كان السبب الموجب لها هو السماع ثم لا يختلف حكمها في الوجوب بالنية وفي هذه الآية دلالة أيضا على أن البكاء في الصلاة من خوف اللّه لا يفسدها
قوله تعالى وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً فيه الدلالة على أن ملك الوالد لا يبقى على ولده فيكون عبدا له يتصرف فيه كيف شاء وأنه يعتق عليه إذا ملكه وذلك لأنه تعالى فرق بين الولد والعبد فنفى بإثباته العبودية النبوة وقد روى أبو هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال لا يجزى ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه بالشرى
وهو
كقوله صلّى اللّه عليه وسلّم الناس غاديان فبائع


الصفحة التالية
Icon