أحكام القرآن (الجصاص)، ج ٥، ص : ٦٤
أكمة أو تراب أو شيء لبيك اللهم لبيك وهذه الآية تدل على أن فرض الحج كان في ذلك الوقت لأن اللّه تعالى أمر إبراهيم بدعاء الناس إلى الحج وأمره كان على الوجوب وجائز أن يكون وجوب الحج باقيا إلى أن بعث النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وجائز أن يكون نسخ على لسان بعض الأنبياء إلا أنه
قد روى أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم حج قبل الهجرة حجتين وحج بعد الهجرة حجة الوداع
وقد كان أهل الجاهلية يحجون على تخاليط وأشياء قد أدخلوها في الحج ويلبون تلبية الشرك فإن كان فرض الحج الذي أمر اللّه به إبراهيم في زمن إبراهيم باقيا حتى بعث النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فقد حج النبي صلّى اللّه عليه وسلّم حجتين بعد ما بعثه اللّه وقبل الهجرة والأولى فيهما هي الفرض وإن كان فرض الحج منسوخا على لسان بعض الأنبياء فإن اللّه تعالى قد فرضه في التنزيل بقوله وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وقيل إنها نزلت في سنة تسع وروى أنها نزلت في سنة عشر وهي السنة التي حج فيها النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وهذا أشبه بالصحة لأنا لا نظن بالنبي صلّى اللّه عليه وسلّم تأخير الحج المفروض عن وقته المأمور فيه إذ كان النبي صلّى اللّه عليه وسلّم من أشد الناس مسارعة إلى أمر اللّه وأسبقهم إلى أداء فروضه ووصف اللّه تعالى الأنبياء السالفين فأثنى عليهم بمسابقتهم إلى الخيرات بقوله تعالى كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ فلم يكن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ليختلف عن منزلة الأنبياء المتقدمين في المسابقة إلى الخيرات بل كان حظه منها أو في من حظ كل أحد لفضله عليهم وعلو منزلته في درجات النبوة فغير جائز أن يظن به تأخير الحج عن وقت وجوبه لا سيما وقد أمر غيره بتعجيله فيما
روى ابن عباس عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال من أراد الحج فليتعجل
فلم يكن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ليأمر غيره بتعجيل الحج ويؤخره عن وقت وجوبه فثبت بذلك أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لم يؤخر الحج عن وقت وجوبه فإن كان فرض الحج لزم بقوله تعالى وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ لأنه لم يخل تاريخ نزوله من أن يكون في سنة تسع أو سنة عشر فإن كان نزوله في سنة تسع فإن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم إنما أخره لعذر وهو أن وقت الحج اتفق على ما كانت العرب تحجه من إدخال النسيء فيه فلم يكن واقعا في وقت الحج الذي فرضه اللّه تعالى فيه فلذلك أخر الحج عن تلك السنة ليكون حجة في الوقت الذي فرض اللّه فيه الحج ليحضر الناس فيقتدوا به وإن كان نزوله في سنة عشر فهو الوقت الذي حج فيه النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وإن كان فرض الحج باقيا منذ زمن إبراهيم عليه السلام إلى زمن النبي