أحكام القرآن (الجصاص)، ج ٥، ص : ٧٢
الأكل من دم القران والتمتع ولا نعلم أحدا من السلف حظره قوله تعالى وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ روى طلحة بن عمر وعن عطاء وأطعموا البائس الفقير قال من سألك وروى ابن أبى نجيح عن مجاهد قال البائس الذي يسأل بيده إذا سأل وإنما سمى من كانت هذه حاله بائسا لظهور أثر البؤس عليه يمد يده للمسئلة وهذا على جهة المبالغة في الوصف له بالفقر وهو في معنى المسكين لأن المسكين من هو في نهاية الحاجة والفقر وهو الذي قد ظهر عليه السكون للحاجة وسوء الحال وهو الذي لا يجد شيئا وقيل هو الذي يسئل وهذه الآية قد انتظمت سائر الهدايا والأضاحى وهي مقتضية لإباحة الأكل منها والندب إلى الصدقة ببعضها وقدر أصحابنا فيه الصدقة بالثلث وذلك لقوله تعالى فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في لحوم الأضاحى فكلوا وادخروا فجعلوا الثلث للأكل والثلث للادخار والثلث للبائس الفقير وفي قوله تعالى فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ دلالة على حظر بيعها ويدل عليه
قوله صلّى اللّه عليه وسلّم فكلوا وادخروا
وفي ذلك منع البيع ويدل عليه ما
روى سفيان عن عبد الكريم الجزري عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن على قال أمرنى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أن أقوم على بدنة وقال أقسم جلودها وحلالها ولا تعط الجازر منها شيئا فإنا نعطيه من عندنا
فمنع النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أن يعطى منها أجرة الجازر وفي ذلك منع من البيع لأن إعطاء الجازر ذلك من أجرته هو على وجه البيع ولما جاز الأكل منها دل على جواز الانتفاع بجلودها من غير جهة البيع ولذلك قال أصحابنا يجوز الانتفاع بجلد الأضحية وروى ذلك عن عمر وابن عباس وعائشة وقال الشعبي كان مسروق يتخذ مسك أضحيته مصلى فيصلى عليه وعن إبراهيم وعطاء وطاوس والشعبي أنه ينتفع به قال أبو بكر ولما منع النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أن يعطى الجازر من الهدى شيئا في جزارتها وقال إنا نعطيه من عندنا
دل ذلك على معنيين أحدهما أن المحظور من ذلك أن يعطيه منها على وجه الأجرة لأن
في بعض ألفاظ حديث على وأمرنى أن لا أعطى أجر الجزار منها وفي بعضها أن لا أعطيه في جزارتها منها شيئا
فدل على أنه جائز أن يعطى الجازر من غير أجرته كما يعطى سائر الناس وفيه دليل على جواز الإجارة على نحر البدن
لأن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال نحن نعطيه من عندنا
وهو أصل في جواز الإجارة على كل عمل معلوم وأجاز أصحابنا الإجارة على ذبح شاة ومنع أبو حنيفة الإجارة على قتل رجل بقصاص والفرق بينهما