أحكام القرآن (الجصاص)، ج ٥، ص : ٨٢
يكون الجازر صحيحا وإنما أمرنا بإعطائه من غير أجرة الجزارة وإنما نهى أن يعطى الجازر منها من أجرته ولما ثبت جواز الأكل منها دل ذلك على جواز إعطائه الأغنياء لأن كل ما يجوز له أكله يجوز أن يعطى منه الغنى كسائر أمواله وإنما قدروا الثلث للصدقة على وجه الاستحباب لأنه لما جاز له أن يأكل بعضه ويتصدق ببعضه ويهدى بعضه على غير وجه الصدقة كان الذي حصل للصدقة الثلث وقد قدمنا قبل ذلك أنه لما
قال صلّى اللّه عليه وسلّم في لحوم الأضاحى فكلوا وادخروا
وقال اللّه تعالى فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ حصل الثلث للصدقة وقوله تعالى فَكُلُوا مِنْها عطفا على البدن يقتضى عمومه جواز الأكل من بدن القرآن والتمتع لشمول اللفظ لها قوله تعالى وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ قال أبو بكر القانع قد يكون الراضي بما رزق والقانع السائل أخبرنا أبو عمر غلام ثعلب قال أخبرنا ثعلب عن ابن الأعرابى قال القناعة الرضا بما رزقه اللّه تعالى ويقال من القناعة رجل قانع وقنع ومن القنوع رجل قانع لا غير قال أبو بكر وقال الشماخ في القنوع :
لمال المرء يصلحه فيغنى مفاقره أعف من القنوع
واختلف السلف في المراد بالآية فروى عن ابن عباس ومجاهد وقتادة قالوا القانع الذي لا يسئل والمعتر الذي يسئل وروى عن الحسن وسعيد بن جبير قالا القانع الذي يسئل وروى عن الحسن قال المعتر يتعرض ولا يسئل وقال مجاهد القانع جارك الغنى والمعتر الذي يعتريك من الناس قال أبو بكر إن كان القانع هو الغنى فقد اقتضت الآية أن يكون المستحب الصدقة بالثلث لأن فيها الأمر بالأكل وإعطاء الغنى وإعطاء الفقير الذي يسئل
قوله تعالى لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ قيل في معناه لن يتقبل اللّه اللحوم ولا الدماء ولكن يتقبل التقوى منها وقيل لن يبلغ رضا اللّه لحومها ولا دماءها ولكن يبلغه التقوى منكم وإنما قال ذلك بيانا أنهم إنما يستحقون الثواب بأعمالهم إذ كانت اللحوم والدماء فعل اللّه فلا يجوز أن يستحقوا بها الثواب وإنما يستحقونه بفعلهم الذي هو التقوى ومجرى موافقة أمر اللّه تعالى بذبحها قوله تعالى كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ يعنى ذللها لتصريف العباد فيما يريدون منها خلاف السباع الممتنعة بما أعطيت من القوة والآلة
قوله تعالى وَلَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ قال مجاهد صوامع الرهبان والبيع كنائس اليهود وقال الضحاك