أحكام القرآن (الجصاص)، ج ٥، ص : ٩٦
إنه لو كان النفي ثابتا لذكره مع الجلد والثاني أن اللّه تعالى قال فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ فإذا كان جلد الأمة نصف حد الحرة وأخبر صلّى اللّه عليه وسلّم في حدها بالجلد دون النفي دل ذلك على أن حد الحرة هو الجلد ولا نفى فيه فإن قيل إنما أراد بذلك التأديب دون الحد وقد روى عن ابن عباس أن الأمة إذا زنت قبل أن تحصن أنه لا حد عليها لقوله تعالى فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ قيل له
قد روى سعيد المقبري عن أبيه عن أبى هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب عليها قال ذلك ثلاث مرات ثم قال في الثالثة أو الرابعة ثم ليبعها ولو بضفير
وقوله صلّى اللّه عليه وسلّم بعها ولو بضفير
يدل على أنها لا تنفى لأنه لو وجب نفيها لما جاز بيعها إذ لا يمكن المشترى تسلمها لأن حكمها أن تنفى فإن قيل
في حديث شعبة عن قتادة عن الحسن عن حطان بن عبد اللّه عن عبادة بن الصامت قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خذوا عنى قد جعل اللّه لهن سبيلا البكر بالبكر والثيب بالثيب البكر يجلد وينفى والثيب يجلد ويرجم
وروى الحسن عن قبيصة بن ذؤيب عن سلمة بن المحبق عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم مثله وحديث الزهري عن عبيد اللّه بن عبد اللّه عن أبى هريرة وزيد بن خالد أن رجلا جاء إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فقال يا رسول اللّه إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته فافتديته منه بوليدة ومائة شاة ثم أخبرنى أهل العلم أن على ابني جلد مائة وتغريب عام وأن على امرأة هذا الرجم فاقض بيننا بكتاب اللّه تعالى فقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب اللّه أما الغنم والوليدة فرد عليك وأما ابنك فإن عليه جلد مائة وتغريب عام ثم قال لرجل من أسلم اغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها
قيل له غير جائز أن تزيد في حكم الآية بأخبار الآحاد لأنه يوجب النسخ لا سيما مع إمكان استعمالها على وجه لا يوجب النسخ فالواجب إذا كان هكذا حمله على وجه التعزير لا أنه حد مع الجلد فرأى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في ذلك الوقت نفى البكر لأنهم كانوا حديثي عهد بالجاهلية فرأى ردعهم بالنفي بعد الجلد كما أمر بشق روايات الخمر وكسر الأوانى لأنه أبلغ في الزجر وأحرى بقطع العادة وأيضا فإن حديث عبادة وارد لا محالة قبل آية الجلد وذلك لأنه قال خذوا عنى قد جعل اللّه لهن سبيلا فلو كانت الآية قد نزلت قبل ذلك لكان السبيل مجعولا قبل ذلك ولما كان الحكم مأخوذا عنه بل عن الآية فثبت بذلك أن آية الجلد