أحكام القرآن (الجصاص)، ج ٥، ص : ٩٨
بعد حديث عبادة فلو كان ما ذكر في حديث عبادة من الجمع بين الجلد والرجم ثابتا لا يستعمله النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في هذه الوجوه وأما حديث جابر فجائز أن يكون جلده بعض الحد لأنه لم يعلم بإحصانه ثم لما ثبت إحصانه رجمه وكذلك قول أصحابنا ويحتمل حديث على رضى اللّه عنه في جلده شراحة ثم رجمها أن يكون على هذا الوجه واختلف الفقهاء في الذميين هل يحدان إذا زنيا فقال أصحابنا والشافعى يحدان إلا أنهما لا يرجمان عندنا وعند الشافعى يرجمان إذا كانا محصنين وقد بينا ذلك فيما سلف وقال مالك لا يحد الذميان إذا زنيا قال أبو بكر وظاهر قوله تعالى الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ يوجب الحد على الذميين ويدل عليه
حديث زيد بن خالد وأبى هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها
وقوله صلّى اللّه عليه وسلّم أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم
ولم يفرق بين الذمي والمسلم وأيضا
فإن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم رجم اليهوديين
فلا يخلو ذلك من أن يكون بحكم التوراة أو حكما مبتدأ من النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فإن كان رجمهما بحكم التوراة فقد صار شريعة للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم لأن ما كان من شرائع الأنبياء المتقدمين مبقى إلى وقت النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فهو شريعة لنبينا صلّى اللّه عليه وسلّم ما لم ينسخ وإن كان رجمهما على أنه حكم مبتدأ من النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فهو ثابت إذ لم يرد ما يوجب نسخه والصحيح عندنا أنه رجمهما على أنه شريعة مبتدأة من النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لا على تبقية حكم التوراة والدليل عليه أن حد الزانيين في أول الإسلام كان الحبس والأذى المحصن وغير المحصن فيه سواء فدل ذلك على أن الرجم الذي أوجبه اللّه في التوراة قد كان منسوخا فإن قيل
فإن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم رجم اليهوديين
وأنت لا ترجمهما فقد خالفت الخبر الذي احتججت له في إثبات حد الزنا على الذميين قيل له استدلالنا من خبر رجم اليهوديين على ما ذكرنا صحيح وذلك لأنه لما ثبت أنه رجمهما صح أنهما في حكم المسلمين في إيجاب الحدود عليهما وإنما رجمهما النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لأنه لم يكن من شرط الرجم الإحصان فلما شرط الإحصان فيه وقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم من أشرك باللّه فليس بمحصن صار حدهما الجلد
فإن قيل إنما رجم النبي صلّى اللّه عليه وسلّم اليهوديين من قبل أنه لم تكن لليهوديين ذمة وتحاكموا إليه قيل له لو لم يكن الحد واجبا عليهم لما أقامه النبي صلّى اللّه عليه وسلّم عليهما ومع ذلك فدلالته قائمة على ما ذكرنا لأنه إذا كان من لا ذمة له قد حده النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في الزنا فمن له ذمة وتجرى عليه أحكام المسلمين أحرى بذلك ويدل عليه أنهم لا يختلفون أن الذمي يقطع في السرقة فكذلك في الزنا إذ كان فعلا


الصفحة التالية
Icon