قال القرطبي :( وقال بعضهم :( لا ) : رد لكلامهم حيث أنكروا البعث، فقال : ليس الأمر كما زعمتم. قلت : وهذا قول الفراء، قال الفراء : وكثير من النحويين يقولون ( لا ) صلة، ولا يجوز أن يبدأ بجحد ثم يجعل صلة، لأن هذا لو كان كذلك لم يعرف خبر فيه جحد من خبر لا جحد فيه، ولكن القرآن جاء بالرد على الذين أنكروا البعث، والجنة، والنار، فجاء الإقسام بالرد عليهم، وذلك كقولهم : لا والله لا أفعل، ف ( لا ) رد لكلام قد مضى، وكقولك : لا والله إن القيامة لحق، كأنك أكذبت قوما أنكروه ). (١) وهو رأي أبي علي الفارسي كذلك (٢).
ونجيب على هذا القول، بأنه ضعيف من وجوه :-
١- إن هذا الكلام المحذوف الذي قدروه لا دليل عليه.
٢- قولهم هذا يتنافى مع ما قرره النحويون من أن اسم -لا - وخبرها لا يجوز حذفهما إلا اذا كانا في جواب سؤال، كما تقول : هل من رجل في الدار، فيكون الجواب : لا، أي : لا رجل في الدار (٣).
٣- قرر علماء المعاني في مثل هذا الموضع تعيين العطف بالواو حتى لا يحصل اللبس، كما يقال : هل شفي فلان من مرضه ؟ فيقال : لا، وشفاه الله. ولا يصح أن نقول : لا شفاه الله حتى لا يتوهم أنه دعاء عليه لا له. فلو كان الأمر كما يقولون، لقال سبحانه : لا وأقسم بيوم القيامة (٤).
(٢) - الفراء : معاني القرآن : ج٣/ ص٢٠٧. وأمالي ابن الشجري، ج٢/ ص ٢٠٧. وقد نقل ابن الشجري هذا الرأي عن أبي علي الفارسي.
(٣) - ابو حيان : البحر المحيط، ج٨ / ص ٢١٣.
(٤) - ذكر الجاحظ القصة المشهورة عن أبي بكر، قال : ومر رجل بأبي بكر – رضي الله تعالى عنه ومعه ثوب، فقال : أتبيع الثوب ؟ فقال : لا عافاك الله، فقال أبو بكر : لقد علمتم لو كنتم تعلمون، قل : لا وعافاك الله. انظر : الجاحظ : البيان والتبيين : ج١/ ص٢٧٩.