لعل مما سبب في تسرب هذه الشبهات إلى الأذهان، ظنها أن الغرض من القسم تقديس المقسم به، أو تشريفه وتعظيمه، وساعد على ذلك، أن معظم ما أقسم الله به من مخلوقاته شريف في ذاته، كالقرآن، والشمس، والقمر، ولكن القسم في اللغة قد يكون بالخسيس كذلك، ليؤدي غرضاً مقصوداً، وسنرى في الأسطر القادمة، أن في القسم بالمخلوقات، نوع يباين القسم التقديسي، ويباين القسم التشريفي، وجيئ به ليؤدي غرضاً جليلا لا يؤديه غيره.
ولما كان القرآن قد نزل بلغة العرب، وعلى طريقتهم، وأسلوبهم، كان علينا أن نعرف الغرض الأصلي من القسم عندهم، وأن نتبين خصائصه وأهدافه، لتتداعى تلك الشبهات.
المبحث الخامس
أغراض القسم القرآني، وأهدافه :
يقول ابن يعيش :- (الغرض من القسم : توكيد ما يقسم عليه من نفي وإثبات) (١)
وقال ابن القيم :(والمقسم عليه : يراد بالقسم توكيده، وتحقيقه) (٢)،
والقرآن نزل بلغة العرب، ومن عاداتها القسم إذا أرادت أن تؤكد أمرا، وقلما نجد القسم مستعملا في اللغات الأخرى وآدابها (٣).
وكثيرا ما يحتاج المتكلم إلى تأكيد خبر يسوقه، أو توثيق وعد يصدر منه، وبخاصة في الأمور المهمة كالمحالفات، والمعاهدات، وكان للتأكيد عند العرب صيغ مختلفة، وكان القسم أقواها تأكيدا وتحقيقا، لأنه يفيد الجزم بصحته، والقطع بصدقه، وقد بلغ من شأن القسم عندهم، أنهم كانوا يحترزون كل الإحتراز من الأيمان الكاذبة، ويعتقدون أنها شؤم على صاحبها، تخرب الديار، وتدعها بلاقع، لما فيها من الغدر والخيانة، ومن أجل هذا كانت اليمين عندهم قاطعة في إثبات الحقوق.
(٢) - ابن القيم : التبيان في أقسام القرآن، ( مرجع سابق ) ص ٢.
(٣) - انظر : د. عبد الجليل عبد الرحيم : لغة القرآن الكريم، ص ٢٦٥.