وكذا لفظ فانصفه وظبى جمع ظبة السيف وهو حده أي ذا ظبا أي صاحب حجج تحميه عن الطعن والاختيان عليه فإن أبا عبيد قال قراءتنا التي نختار الخفض كقوله سبحانه - علم أن لن تحصوه - فكيف يقدرون على أن يعرفوا نصفه وثلثه وهم لا يحصونه ووجه النصب في ونصفه وثلثه العطف على محل أدنى أي تقوم أقل من الثلثين وتقول نصفه وتقوم ثلثه والخفض عطف على ثلثي الليل أي وأقل من نصفه وثلثه ومجموع القراءتين محمول على اختلاف الأحوال لتكرر الليالي واختلافها فمرة يقوم نصف الليل محررا ومرة أقل منه وكذلك الثلث وتارة أقل من الثلثين أي إن ربك يعلم أنكم تأتون بالواجب مرة وبدونه أخرى
لكن الثلثين ما تكملون لطوله فيقع منكم الغلط فيه وجعل الفراء والزجاج قوله - ونصفه وثلثه - على قراءة النصب تفسيرا للأدنى المذكور وهو مشكل من جهة أن واو العطف تمنع من ذلك وكان النبي ﷺ وأصحابه مخيرين بين هذه التقديرات الثلاثة في قيام الليل على اختلاف مراتبها في الأجر وأقرب شيء لهذا الحكم التخيير بين خصال كفارة اليمين على تفاوت مراتبها والتخيير بين نفري الحجج وقيل إنما وقع التخيير بين هذه الثلاثة باعتبار تفاوت الأزمان فالنصف عند الاعتدال وما قاربه وقيام الثلثين أو الأدنى من ثلثي الليل عند الطول وقيام الثلث عند قصر الليل والدليل على التخيير قوله تعالى في أول السورة - قم الليل إلا قليلا نصفه - وللعلماء في إعراب نصفه قولان مشكلان
أحدهما أنه بدل من الليل ويلزم منه التكرير فإن قوله قم نصف الليل إلا قليلا هو الثلث فأي حاجة إلى قوله - أو انقص منه قليلا - وإن كان البدل بعد الاستثناء كأنه قال قم أكثر الليل نصفه أي نصف أكثر الليل أو انقص منه كان ذلك ردا إلى تنصيف مجهول فقوله قم ثلث الليل كان أخصر فأولى
الوجه الثاني أن نصف بدل من قليلا وهو مشكل من جهة استثناء النصف وتسميته قليلا فكيف يكون نصف الشيء قليلا بالنسبة إلى الباقي وهما متساويان فإن كان الباقي كثيرا فالآخر مثله وإن كان المستثنى قليلا فالآخر مثله فلا يستقيم في إعراب نصفه إلا أن يكون مفعول فعل مضمر دل عليه ما تقدم أي قم نصفه أو انقص أو زد
ويكون في فائدة الآية التي قبلها وجهان
أحدهما أنه إرشاد إلى المرتبة العليا وهي قيام أكثر الليل ثم خير بينه وبين ما دونه تخفيفا لأنه تكليف في ابتداء أمر لم يعتادوه ومنه ما جاء في صفة عبد الله بن عمر رضي الله عنه لما سمع قول النبي ﷺ في حقه
نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل
قال نافع فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلا وهذا موافق لما دلت عليه آية أخرى في سورة والذاريات في صفة المؤمنين - كانوا قليلا من الليل ما يهجعون - وذلك أن الموفقين إذا أخذوا أنفسهم بقيام الليل واعتادوه صار أشهى إليهم من راحة النوم لولا حظ الطباع البشرية من ذلك القدر القليل
الوجه الثاني أن يكون المراد من الليل جنس الليالي لا كل ليلة بانفرادها على الصفة التي بينت في الآية الأخرى وهذا كما يوصى بعض المسافرين لخوف الحر فيقال سر الليل ثم يبين له فيقال ارحل من نصف الليل أو ثلثه أو أوله ويكون قوله تعالى - إلا قليلا - استثناء لليالي الأعذار من مرض أو غلبة نوم أو نحو من ذلك ثم انتقل إلى سورة المدثر فقال