آثر من الإيثار أي قدم مثراة عذب الذكر على كل شيء والمثراة من قولهم هذا مثراة للمال أي مكثرة له أي قدم مكتسب عذبه ومكثرته والمثراة أيضا مصدر ثرى المكان يثري ثرى ومثراة إذا كثر نداه فبلله أي قدم ندى عذبه على كل شيء وذلك مما يستعار للوصلة والذكر وصلة بين العبد وبين ربه عز وجل ومنه قوله ﷺ بلوا أرحامكم ولو بالسلام أي صلوها وتقول العرب بيني وبين فلان مثرى أي وصلة لم تنقطع وهو مثل كأنه قال لم ييبس ما بيني وبينه ومنه قول جرير
( فلا توبسوا بيني وبينكم الثرى % فإن الذي بيني وبينكم مثرى )
وقوله عن الآثار أي آخذا بذلك الإيثار عن الآثار والأخبار الواردة عن النبي ﷺ أي مستمدا أدلة الإيثار من الآثار نحو ما في صحيح مسلم عن الأغر أبى مسلم أنه شهد على أبي هريرة وأبي سعيد أنهما شهدا على رسول الله ﷺ
قال ما جلس قوم يذكرون الله إلا حفت بهم الملائكة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله تعالى في من عنده
وفي جامع الترمذي عن عبد الله بن بشر أن رجلا قال يا رسول الله
إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فأخبرني بشيء أتشبث به قال لا يزال لسانك رطبا بذكر الله تعالى قال هذا حديث (١) وعن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ
إن لله ملائكة سيارة فضلاء يلتمسون مجالس الذكر فإذا أتوا على قوم يذكرون الله تعالى جلسوا فأظلوهم بأجنحتهم ما بينهم وبين السماء الدنيا فإذا قاموا عرجوا إلى ربهم فيقول تبارك وتعالى وهو أعلم من أين جئتم فيقولون جئنا من عند عباد لك يسبحونك ويحمدونك ويهللونك ويكبرونك ويستجيرونك من عذابك ويسألونك جنتك فيقول الله تعالى وهل رأوا جنتي وناري فيقولون لا فيقول فكيف لو رأوهما فقد أجرتهم مما استجاروا وأعطيتهم ما سألوا فيقال إن فيهم رجلا مر بهم فقعد معهم فيقول وله فقد غفرت إنهم القوم لا يشقى بهم جليسهم وعن الحارث الأشعري أن رسول الله ﷺ قال
إن الله تعالى أوحى إلى يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بهن ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن أن لا يشركوا بالله شيئا وإذا قمتم إلى الصلاة فلا تلتفتوا وأمركم بالصيام والصدقة وضرب لكل واحدة مئلا ثم قال وأمركم بذكر الله تعالى كثيرا ومثل ذلك كمثل رجل طلب العدو سراعا من أثره حتى أتى حصنا حصينا فأحرز نفسه فيه وكذلك العبد لا ينجوا من الشيطان إلا بذكر الله عز وجل
وعن أبي الدرداء قال قال رسول الله ﷺ ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها من درجاتكم وخير لكم من إعطاء الذهب والورق وأن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا وما ذاك يا رسول الله قال ذكر الله عز وجل أخرجه البيهقي في كتاب الدعوات ففي ذلك تفسير قوله وما مثله للعبد حصنا وموئلا أي وما للعبد مثل الذكر نافعا له هذه المنفعة المشار إليها في الحديث ونصب حصنا وموئلا على التمييز أي ما للعبد حصن وموئل مثل الذكر ويجوز نصبهما على الحال أي مشبها حصنا وموئلا هنا اسم مكان أي موضعا يؤول إليه أي يرجع ويأوى فيه وكل ذلك استعارات حسنة وقد سبق في أول القصيدة تفسير الموئل بالمرجع وهو بهذا المعنى فكل ما تستند إليه فهو موئل لك ولا يجوز نصب حصنا على أنه خبر ما النافية على لغة أهل الحجاز لاختلاف المعنى حينئذ لأنه كان يفيد ضد المقصور من هذا الكلام
١- حسن غريب