ومصدر الخلل عند هؤلاء أنهم نظروا إلى مجرد اللفظ ولم يراعوا سوى ما يمكن أن يكون مراداً للفظ من جهة اللغة دون أن ينتبهوا إلى أن هذا اللفظ هو كلام الرب سبحانه وتعالى وأنه أنزله على رسوله محمد ﷺ وأنه خطاب للإنس والجن عامة، وإن عدم مراعاة هذه الاعتبارات قد يفضي إلى تفسير اللفظ القرآني تفسيراً بعيداً عن الصواب، يقول الإمام الشاطبي رحمه الله في سياق الكلام عن أهمية معرفة أسباب التنزيل مثلاً وكيف أنه ضروري لصيانة فهم القرآن الكريم :" الوجه الثاني وهو أن الجهل بأسباب التنزيل مُوقع في الشبه والإشكالات ومورد للنصوص الظاهرة مورد الإجمال حتى يقع الاختلاف وذلك مظنة وقوع النزاع" ثم ذكر ما رواه إبراهيم التميمي قال:" خلا عمر ذات يوم فجعل يحدث نفسه : كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد وقبلتها واحدة، فقال ابن عباس : يا أمير المؤمنين إنا أُنزل علينا القرآن فقرأناه وعلمنا فيم نزل، وإنه سيكون بعدنا أقوام يقرأون القرآن ولا يدرون فيم نزل، فيكون لهم فيه رأي فإذا كان لهم فيه رأي اختلفوا، فإذا اختلفوا اقتتلوا"(١). ولعل مراعاة مقتضى الشرع في تفسير القرآن الكريم هي من جملة ما دعا به النبي ﷺ لابن عباس في قوله :" اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل"(٢)
وهكذا نكون قد استعرضنا أهم أسباب الاختلاف في التفسير بالرأي وقد تبين معنا أن هذا الاختلاف – على خلاف ما تقدم في التفسير بالمأثور – يعود في جملته إلى اختلاف التعارض والتضاد، ولربما كان ذلك بسبب الاضطراب في الأهواء والآراء الباعثة على أمثال هذا التفسير.
المطلب الثالث : التحقيق في مسألة الاختلاف التفسير:

(١) الموافقات – الشاطبي ٢٠٢/٣
(٢) مسند الإمام أحمد


الصفحة التالية
Icon