إن من توفيق الله عز وجل أن قد ألممنا في هذا البحث الموجز بحقيقة الاختلاف في تفسير القرآن وبأهم أسبابه، وأشير في هذه الخاتمة إلى أهم الفوائد والاستنتاجات من هذا البحث، فأقول وبالله التوفيق:
تبين لنا في هذا البحث أن الاختلاف في التفسير حقيقة واقعة لا مجال لغض الطرف عنها، وأن هذا الاختلاف قد يترتب عليه من المفاسد والشبهات ما يوجب تحرير القول فيه وضبط أسبابه من أجل تفنيد هذه الشبهات ووقاية المسلمين منها
إن من الاختلاف في التفسير ما هو اختلاف بحسب الظاهر وليس اختلافاً حقيقياً بل هو من اختلاف التنوع الذي لا تعارض فيه، وهذا لا ضرر من وقوعه - بل ربما كان وقوعه مطلوباً من جهة كمال عرض المعاني وتفصيلها وتقريبها للمستمع – ولا يعني هذا أن يتحرى هذا الاختلاف ويطلب لذاته وإنما المعنى أن ما وقع منه اتفاقاً لا يقدح في المفسِّر كما أنه لا يقدح في المفسَّر قطعاً.
إن من الاختلاف في التفسير ما هو اختلاف حقيقي مآله إلى التعارض الذي لا يمكن التوفيق بين أفراده، وإن المتدبر في أسباب هذا الاختلاف يجد أن البدع والأهواء وتحكيم الرأي في النصوص وتقديم العقل على النقل يمثل أهم أسباب هذا الاختلاف، وبالتالي فإنه اختلاف مذمومٌ من جهة الدوافع والوسائل والمآلات، وهذا النوع من الاختلاف يقدح في المفسِّر ولكنه لا يقدح في المفسَّر، بل إن نسبته إلى مراد الله تعالى من كلامه نسبةٌ مدَّعاة.
تبين معنا أيضاً أن تفسير القرآن الكريم لا يسلم من الخطأ بمجرد الاعتماد على ما يسوغ في اللغة، بل لا بد من مراعاة مقتضيات الشرع وأصوله من حيث معرفة أن هذا القرآن الكريم هو كلام الله تعالى فيراعى خصائص المتكلم، وأن هذا القرآن جاء لهداية البشر فيراعى ما يليق بمقتضيات هذا المقام.