المبحث الثاني : الاختلاف في التفسير :
إن أسباب الاختلاف في تفسير القرآن الكريم متنوعة وكثيرة، وعند النظر في النماذج الأربعة المتقدمة يمكن أن نلاحظ أن النموذجين الأوليين يعرضان أقوالاً متعددة في تفسير الآية ولكن مردّ هذه الأقوال كلها إلى النقل، في حين أن النموذجين الأخيرين يحملان نوعاً آخر من التفسير المختلف فيه مرده إلى العقل أو الرأي، وقد أرجع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أسباب الاختلاف في التفسير إلى أمرين اثنين، فقال :"الاختلاف في التفسير على نوعين : منه ما مستنده النقل فقط، ومنه ما يُعلم بغير ذلك، إذ العلم إما نقل مصدَّق، وإما استدلال محقَّق"(١) وعند التأمل في النماذج المعروضة آنفاً يمكن ملاحظة أن مستند الاختلاف في النموذجين الأوليين هو النقل مثلاً، في حين أن النموذجين الأخيرين يعرضان للنوع الثاني من الاختلاف المستند على الرأي والاستدلال، وبكلام آخر نقول أسباب الاختلاف تتباين باعتبار التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي، وإن فهم هذا التباين كما سنعرض إن شاء الله يعين على تصور حقيقة هذا الاختلاف وأثره على التفسير.
المطلب الأول : الاختلاف الواقع في التفسير بالمأثور :
إن مرد الاختلاف في التفسير بالمأثور هو النقل، وعلى هذا فإن مظاهر الاختلاف ها هنا هو تعدد المنقول وعدم اتفاقه في التعبير عن المراد بالآية أو اللفظ القرآني، بحيث تجد أن اللفظ القرآني الواحد أو الآية قد أُثر عنهما كثيرٌ من الأقوال التي يبدو التعارض فيها ظاهراً، ولكن بالتمحيص والتدقيق في هذه المأثورات نجد أن الخلاف فيها راجع إلى عدة أسباب يمكن تصنيفها على النحو الذي بينه شيخ الإسلام ابن تيمية، والذي نعرض له فيما يلي :

(١) مجموع الفتاوى – ابن تيمية – ١٨٥ /١٣


الصفحة التالية
Icon