[ ٤ ]

بهرت بلاغته العقول وظهرت فصاحته على كل مقول، وتظافر ايجازه
واعجازه وتظاهرت حقيقته ومجازه، وتقارن في الحسن مطالعه ومقاطعه،
وحوت كل البيان جوامعه وبدائعه، قد احكم الحكيم صيغته ومبناه، وقسم
لفظه ومعناه، الى ماينشط السامع، ويقرط المسامع، من تجنيس انيس،
وتطبيق لبيق، وتشبيه نبيه، وتقسيم وسيم، وتفصيل اصيل، وتبليغ بليغ،
وتصدير بالحسن جدير، وترديد ماله مزيد، الى غير ذلك مما اجرى (١)
من الصياغة البديغة، والصناعة الرفيعة، فلاذان باقراطه حالية،
والاذهان من اسماطه غير خالية، فهو من تناسب الفاظه، وتناسق
اغراضه، قلادة ذات اتساق، ومن تبسم رهره وتنسم نشره، حديقه مبهجة
للنفوس والاسماع والاحداق، كل كلمة منه لها من نفسها طرب، ومن
ذاتها عجب، ومن طلعتها غرة، ومن بهجتها درة، لاحت عليه بهجة
القدرة، ونزل (٢ ممن له الامر (٢، فله على كل كلام سلطان وامره،
بهر تمكن فواصله، وحسن ارتباط اواخره واوائله، وبديع اسارته، وعجيب
انتقالته، من قصص باهرة، الى مواعظ زاجرة، وامثال سائرة، وادلة على
التوحيد ظاهرة، وامثال بالتنزيه والتحميد سائرة، ومواقع تعجب
واعتبار، ومواطن تنزيه واستغفار، أن كان سياق الكلام ترجية بسط،
وان كان تخويفا قبض، وان كان وعدا ابهج، وان كان وعيدا ازعج، وان
كان دعوة حدب، وان كان زجرة ارعب، وان كان موعظة اقلق، وان كان
ترغيبا شوق، هذا، وكم فيه من زوايا وفى زواياه من خبايا ويطمع
الحبر في التقاضى فيكشف الخبر عن قضايا فسبحان من سلكه ينابيع في
القلوب، وصرفه بابدع معنى واغرب أسلوب.
------------------------------------------------------------------------


الصفحة التالية
Icon