[ ٤ ]

ونهل من علمه ما شاء الله له ان ينهل، فكان من انجب تلاميذ ه
واوعاهم، وافضلهم واذكاهم، كما تخرج على الشيخ سراج الدين
البلقينى، والحافظ مغلطاى، وغيرهم من شيوخ مصر وعلمائها. ثم ترامت
إليه شهرة الشيخ شهاب الدين الاذرعى بحلب، والحافظ بن كثير بدمشق
فشد اليهما الرحال، قصد الى حلب اولا حيث اخذ عن الاذرعى الفقه
والاصول، ثم عمد الى دمشق حيث تلقى على ابن كثير الحديث، ثم عاد
الى القاهرة وقد جمع اشتات العلوم، واحاط بالاصول والفروع، وعرف
الغامض والواضح، ووعى الغريب والنادر، واستقصى الشإذ والمقيس، الى
ذكاء وفطنة، وثقافة والمعية، فاهله كل ذلك للفتيا والتدريس،
والتوفر على الجمع والتصنيف، واجتمع له من المولفات في عمره القصير
ما لم يجتمع لغيره من افذاذ الرجال، وان كان هذا الفضل لم يعرفه
الناس الا بعد وفاته، وحين توارت شمس حياته. وكان رضى الخلق، محمود
الخصال، عذب الشمائل، متواضعا رقيقا، يلبس الخلق من الثياب، ويرضى
بالقليل من الزاد، لا يشغله عن العلم شى من مطالب الدنيا، اوشوون
الحياة. قال ابن حجر: (وكان مقطعا في منزله لا يتردد الى احد الا
الى سوق الكتب، وإذا حضر إليها لا يشترى شيئا، وانما يطالع في
حانوت الكتبى طول نهاره ومعه ظهور اوراق يعلق فيها ما يعجبه، ثم
يرجع فينقله الى تصانيفه) (١) وحكى تلميذه شمس الدين البرماوى انه
كان منقطعا الى الاشتغال بالعلم لا يشتغل عنه بشى، وله اقارب
يكفونه امر دنياه (٢).
------------------------------------------------------------------------


الصفحة التالية
Icon