ومن التابعين وأتباعهم: مجاهد بن جبر (ت: ١٠٣هـ) وسعيد بن جبير (ت: ٩٥هـ) وعكرمة مولى ابن عباس (ت: ١٠٧هـ) والحسن البصري (ت: ١١٠هـ) وقتادة (ت: ١١٧هـ) وأبو العالية (ت: ٩٣هـ) وزيد بن أسلم (ت: ١٣٦هـ) وإبراهيم النخعي (ت: ٩٦هـ) ومحمد ابن كعب القرظي (ت: ١١٧هـ) وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم (ت: ١٨٢هـ) وعبد الملك بن جريج (ت: ١٥٠هـ) ومقاتل بن سليمان (ت: ١٥٠هـ) ومقاتل بن حيان (ت: ١٥٠هـ) وإسماعيل السدي (ت: ١٢٧هـ) والضحاك بن مزاحم (ت: ١٠٥هـ) ويحيى بن سلام (ت: ٢٠٠هـ)، وغيرهم.
وأما من تورّع في التفسير فجمعٌ من التابعين (٢٤) من أهل المدينة والكوفة.
أما أهل المدينة، فقال عنهم عبيد الله بن عمر: لقد أدركت فقهاء المدينة، وإنهم ليغلظون القول في التفسير؛ منهم: سالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، وسعيد بن المسيب، ونافع(٢٥).
وقال يزيد بن أبي يزيد: (كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحلال والحرام - وكان أعلم الناس - فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن سكت كأن لم يسمع)(٢٦).
وقال هشام بن عروة بن الزبير: (ما سمعت أبي يتأوّل آية من كتاب الله قطّ)(٢٧).
وأمّا أهل الكوفة فقد أسند إبراهيم النخعي إليهم قَولَه: (كان أصحابنا - يعني: علماء الكوفة - يتّقون التفسير ويهابونه)(٢٨).
هذا.. ولقد سلك مسلك الحذر وبالغ فيه إمام اللغة الأصمعي (ت: ٢١٥هـ)، حيث نقل عنه أنه كان يتوقّى تبيين معنى لفظة وردت في القرآن(٢٩).
فما ورد عن هؤلاء الكرام من التوقي في التفسير إنما كان تورّعاً منهم، وخشية ألاّ يصيبوا في القول.
ثانياً: أنواع الرأي في التفسير:
الرأي في التفسير نوعان: محمود، ومذموم.
النوع الأول: الرأي المحمود.
إنما يحمد الرأي إذا كان مستنداً إلى علم يقي صاحبه الوقوع في الخطأ. ويمكن استنباط أدلةٍ تدلّ على جواز القول بالرأي المحمود.
ومن هذه الأدلّة ما يلي:
١- الآيات الآمرة بالتدبّر:
يشمل التفسير المنقول: كل ما نُقل عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو أصحابه أو التابعين وأتباعهم، فمن أقدم على التفسير دون الرجوع إلى التفسير المنقول فإنه سيقع في الرأي المذموم؛ لأن جُزءاً من التفسير لا يمكن معرفته إلا عن طريق النقل عنهم؛ كأسباب النزول، وقصص الآي، وناسخها... وغيرها.
٣- من فسر بمجرد اللغة دون النظر في المصادر الأخرى:
إن التسارع إلى تفسير القرآن بظاهر العربية، من غير استظهار بالسماع والنقل فيما يتعلق بغرائب القرآن وغيرها؛ مُوقِعٌ في الخطأ، فمن لم يُحكّم ظاهر التفسير وبادر إلى استنباط المعاني بمجرد فهم العربية كثر غلطه، ودخل في زمرة من قال برأيه المذموم(٢٠).
واعتماد اللغة فقط دون غيرها من المصادر، هو أحد أسباب الخطأ الذي يقع في التفسير، كما حكى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية(٢١).
٤- أن يكون له رأي فيتأول القرآن على وفق رأيه(٢٢):
ويكثر هذا عند أهل الأهواء والبدع، حيث أنهم يعتقدون الرأي، ثم يبحثون عن دليله، وقد يحرّفون الكلم عن مواضعه ليوافق آراءهم، ولو لم يكن لهؤلاء هذا الاعتقاد والرأي لما فسر القرآن بهذه التفسيرات المنحرفة.
ويقع خطأ أولئك على أقسام:
الأول: الخطأ في الدليل والمدلول: وذلك أن المفسر يستدل لرأيه بدليل، ويكون رأيه الذي استدل له باطلٌ فيستلزم بطلان دلالة الدليل على المستدل له.
ومثال ذلك أن المعتزلة اعتقدوا أن الله ـ سبحانه ـ لا يُرى في الآخرة، وهذا باطل، ثم استدلوا لهذا بقوله ـ تعالى ـ: ((لَن تَرَانِي)) [الأعراف: ١٤٣] فجعلوا ((لَن)) لتأبيد النفي، وهذا غير صحيح في هذا الموضع.
ومثاله ـ كذلك ـ استدلال بعض المتصوفة على جواز الرقص ـ وهو حرام ـ بقوله ـ تعالى:
((ارْكُضْ بِرِجْلِكَ)) [ص: ٤٢](٢٣).
فالرّقص حرام، والآية لا تدل عليه لا من قريب ولا من بعيد.
الثاني: الخطأ في الاستدلال لا في المدلول: وفي هذا يكون المدلول بذاته صحيحاً، ولكن حَمْل الآية عليه لا يصح.
الرابع: ما ورد عن الصحابة خصوصاً أو عن التابعين ممن هم في عصر الاحتجاج اللغوي من تفسير لغوي، فإن كان مجمعاً عليه فلا إشكال في قبوله، وحجيته، وإن ورد عن واحد منهم ولم يعرف له مخالف فهو مقبول كما قال الزركشي: (ينظر في تفسير الصحابي فإن فسره من حيث اللغة فهم أهل اللسان، فلا شك في اعتمادهم).(١١).
وإن اختلفوا في معنى لفظة لاحتمالها أكثر من معنى، فهذا يعمد فيه إلى المرجحات.
أما ما رووه عن التابعي فهو أقل في الرتبة مما رووه عن الصحابي، ومع ذلك فإنه يعتمد ويقدم على غيره.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
هوامش:
(١)انظر على سبيل المثال: مناهل العرفان للزرقاني ٢/١٢١٣، التفسير والمفسرون للذهبي ١/١٥٤ مباحث في علوم القرآن لمناع القطان.
(٢)انظر مثلاً: مناهل العرفان ٢/١٣، التفسير والمفسرون ١/١٥٤ لمناع القطان ٣٤٧.
(٣)انظر مثلاً: مباحث في علوم القرآن، ٣٥٠، وهذا ما يتوحى من عبارة الزرقاني.
(٤)مناهل العرفان ٢/١٢١٣.
(٥)التفسير والمفسرون ١/١٥.
(٦)مقدمة في أصول التفسير، تحقيق: عدنان زرزور، ص ٩٣.
(٧)انظر: مباحث في علوم القرآن للقطان، ٣٥٠.
(٨)كالزرقاني، والذهبي، والصباغ (لمحات في علوم القرآن، ١٧٧ وما بعدها).
(٩)لمحات في علوم القرآن، ١٨٠.
(١٠)التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور، ١/٣٢، ٣٣.
(١١)البرهان في علوم القرآن، ٢/١٧٢.
· تفسير الطاهر بن عاشور المعروف (بالتحرير والتنوير) بالرغم من شموله واستقصائه لما يفسره من آيات، إلا أن منهجه العقدي أشعري يؤول آيات الصفات. وللمزيد انظر الكتاب القيم (المفسرون والتأويل) للشيخ محمد المغراوي المغربي، من مطبوعات دار طيبة بالرياض.


Icon