( ٤- موقفهم من الأحاديث النبوية وآثار الصحابة )
ولقد رأى الإمامية الإثنا عشرية أنفسهم أمام كثرة من الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمام كثيرة من الروايات المأثورة عن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. وفى تلك الأحاديث وهذه الآثار ما يخالف تعاليمهم مخالفة صريحة، لذا كان بدهياً أن يتخلص القوم من كل هذه الروايات، إما بطريق ردها، وإما بطريق تأويلها. والرد عندهم سهل ميسور، ذلك لأن الرواية إما أن تكون قولاً لصحابى، وإما أن تكون قولاً لرسول الله ﷺ عن طريق صحابى، وهم يُجَرِّحون معظم الصحابة، بل ويُكَفِّرونهم لمبايعتهم أبا بكر أولاً، ثم عمر من بعده، ثم عثمان من بعدهما.. وأما التأويل فباب واسع.. وهم أهله وأربابه. فمثلاً ندهم يردون الأحاديث والآثار التى ثبتت فى تحريم نكاح المتعة ونسخ حِلَّه، كما نجدهم يردون أحاديث المسح على الخفين ويقولون: إنها من رواية المغيرة بن شعبة رأس المنافقين. ثم نجدهم يُسَلِّمون صحة الرواية جدلاً ولكنهم يتأوَّلونها فيقولون: إن الخف الذى كان يلبسه النبى ﷺ كان مشقوقاً من أعلى، فكان يمسح على ظاهر قدمه من هذا الشق.. وظاهر أن هذا تأويل بارد متكلف.
فإذا كان هؤلاء لا يقبلون أقوال الصحابة، ولا يثقون بروايتهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذن فمَن يقبلون قوله؟ ومَن يثقون بروايته؟
الذى عليه الشيعة إلى اليوم، أنهم لا يأخذون الحديث إلا ممن كان شيعياً، ولا يقبلون تفسيراً إلا ممن كان شيعياً، ولا يثقون بشئ مطلقاً إلا إذا وصل إليهم من طريق شيعى!!... وبهذا حصروا أنفسهم فى دائرة خاصة، حتى كأنهم هم المسلمون وحدهم، فإن عاشوا وسط السنيين فباطنهم لأنفسهم، وظاهرهم للتقية!!
وليت الأمر وقف بهم عند هذا الحد - حد الثقة بأشياعهم والاتهام لمن عداهم - بل وجدنا الرؤساء من الشيعة كجابر بن يزيد الجعفى وغيره - قد استغلوا أفكار الجمهور الساذجة، وقلوبهم الطيبة الطاهرة، وحبهم لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فراحوا يضعون الأحاديث عن رسول الله ﷺ وعلى آل بيته، ويضمونها ما يَرضى ميولهم المذهبية، وأغراضهم السيئة الدنيئة، ولم يفتهم أن يحكموا أسانيد هذه الشيعة لأنهم وجدوها مؤيدة لدعواهم..
ويعجبنى هنا ما ذكره أبو المظفر الإسفرائينى فى كتابه "التبصير فى الدين"، وهو: أن الروافض "لما رأوا الجاحظ يتوسع فى التصانيف، ويصنف لكل فريق، قالت له الروافض: صنِّفْ لنا كتاباً، فقال لهم: لستُ أدرى لكم شبهة حتى أرتبها وأتصرف فيها، فقالوا له: إذن دلنا على شئ نتمسك به، فقال: لا أرى لكم وجهاً إلا أنكم إذا أردتم أن تقولوا شيئاً تزعمونه، تقولون: إنه قول جعفر بن محمد الصادق، لا أعرف لكم سبباً تستندون إليه غير هذا الكلام. فتمسكوا بحمقهم وغباوتهم بهذه السوءة التى دلَّهم عليها، فكلما أرادوا أن يختلفوا بدعة أو يخترعوا كذبة، نسبوها إلى ذلك السيد الصادق، وهو عنها منزَّه ومن مقالتهم فى الدارين برئ". * *


الصفحة التالية
Icon