فمثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [٧] من سورة الرعد: ﴿إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾.. نجد أنه يذكر من الروايات سما هو موضوع على ألسنة الشيعة، ثم يمر عليها بدون تعقيب منه، مما يدل على أنه يصدقها ويقول بها. فهو بعد أن ذكر أقوالاً أربعة فى معنى هذه الآية نقل عن ابن عباس أنه قال: "لما نزلت الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا المنذر وعلىّ الهادى من بعدى، يا علىّ، بك يهتدى المهتدون". ونقل بسنده إلى أبى بردة الأسلمى أنه قال: "دعا رسول الله ﷺ بالطهور، وعنده علىّ ابن أبى طالب، فأخذ رسول الله بيد علىّ بعد ما تطهر فألزمها بصدره ثم قال: ﴿إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ﴾، ثم ردها إلى صدره، ثم قال: ﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾، ثم قال: إنك منارة الأنام، وغاية الهدى، وأمير القرى، وأشهد علىّ ذلك أنك كذلك".
ومثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [٢٣] من سورة الشورى: ﴿قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾.. نجده يذكر أقوالاً ثلاثة فى معنى هذه الآية:
أحدها: لا أسألكم على تبليغ الرسالة وتعليم الشريعة أجراً إلا التوادد والتحاب فيما يُقَرِّب إلى الله تعالى من العمل الصالح.
وثالثها: إلا أن تودوا قرابتى وتحفظونى فيهم... وهنا يسوق من الروايات عن أهل البيت وغيرهم ما يصرِّح بأن الذين أمر الله بمودتهم: علىّ وفاطمة وولدهما، ويروى - فيما يروى - هذا الحديث الغريب الذى نقله من كتاب "شواهد التنزيل لقواعد التفضيل" مرفوعاً إلى أبى أُمامة الباهلى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى خلق الأنبياء من أشجار شتَّى، وخُلقت أنا وعلىّ من شجرة واحدة، فأنا أصلها، وعلىّ فرعها، وفاطمة لقاحها، والحسن والحسين ثمارها، وأشياعنا أوراقها، فمَن تعلَّق بغصن من أغصانها نجا، ومَن زاغ عنها هوى، ولو أن عبداً عبد الله بين الصفا والمروة ألف عام ثم ألف عام ثم ألف عام حتى يصير كالشن البالى، ثم لم يدرك محبتنا كبَّه الله على منخريه فى النار، ثم تلا: ﴿قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾.
* *
* موقفه من الإسرائيليات:
وكثيراً ما يروى الطبرسى فى تفسيره الروايات الإسرائيلية معزوَّة إلى قائليها، ونلاحظ عليه أنه يذكرها بدون أن يُعقِّب عليها.. اللَّهُمْ إلا إذا كانت مما يتنافى مع العقيدة، فإنه ينبه على كذب الرواية، ويبين ما فيها من مجافاتها للحق وبُعدها عن الصواب، فمثلاً عند قوله تعالى فى الآية [٢١] وما بعدها من سورة (ص): ﴿وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُواْ الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُواْ عَلَى دَاوُودَ....﴾... الآيات، نجده يقولك "واختلف فى استغفار داود من أى شئ كان، فقيل: إنه حصل منه على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى والخضوع والتذلل بالعبادة والسجود، كما أخبر سبحانه عن إبراهيم بقوله: ﴿وَالَّذِي؟ أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ﴾.. وأما قوله: ﴿فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ﴾ فالمعنى أنَّا قبلناه منه وأثبتناه، فأخرجه على لفظ الجزاء مثل قوله: ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾، وقوله: ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ﴾. فلما كان المقصود من الاستغفار والتوبة القبول قيل فى جوابه: "غفرنا" وهذا قول من يُنَزِّه الأنبياء عن جميع الذنوب من الإمامية وغيرهم. ومَن جوَّز على الأنبياء الصغائر قال: إن استغفاره كان لذنب صغير وقع منه، ثم إنهم اختلفوا فى ذلك على وجوه:
أحدها: أن أُوريا بن حيّان خطب امرأة وكان أهلها أرادوا أن يُزوِّجوها منه، فبلغ داود جمالها فخطبها أيضاً فزوَّجوها منه، فقدَّموه على أوربا، فعوتب داود على الدنيا.. عن الجبائى.
وثانيها: أنه أخرج أُوريا إلى بعض ثغوره فقُتل فلم يجزع عليه جزعه على أمثاله من جنده إذ مالت نفسه إلى نكاح امرأته، فعوتب على ذلك بنزول المَلَكين.
وثالثها: أنه كان فى شريعته أن الرجل إذا مات وخلَّف امرأته فأولياؤه أحق بها إلا أن يرغبوا عن التزوج بها، فحينئذ يجوز لغيرهم أن يتزوج، فلما قُتل أُوريا خطب داود امرأته ومنعت هيبة داود وجلالته أولياءه يخطبوها فعوتب على ذلك.
ورابعها: أن داود كان متشاغلاً بالعبادة فأتاه رجل وامرأة متحاكمين فنظر إلى المرأة ليعرفها بعينها وذلك مباح، فمالت نفسه إليها ميل الطباع ففصل بينهما وعاد إلى عبادة ربه، فشغله الفكر فى أمرها عن بعض نوافله فعوتب.
وخامسها: أنه عوتب على عجلته فى الحكم قبل التثبت، وكان يجب عليه حين سمع الدعوى من أحد الخصمين أن يسأل الآخر عما عنده فيها ويحكم عليه قبل ذلك، وإنما أنساه التثبت فى الحكم فزعه من دخولهما عليه فى غير وقت العادة.