ثم يمضى صاحبنا بعد ذلك فيؤيد قوله هذا بأحاديث يرويها عن أهل البيت كلها - فيما نعتقد وكما يظهر من أسلوبها - من وضع الشيعة وأخلاقهم، فمن ذلك ما نقله عن الكافى بإسناده عن سليم بن قيس الهلالى قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول.. وساق الحديث إلى أن قال: ما نزلت آية على رسول الله ﷺ وآلأه إلا أقرأنيها وأملاها علىّ فأكتبها بخطى، وعلَّمنى تأويلها وتفسيرها، وناسخها ومنسوخها، ومحكمها ومتشابهها، ودعا الله أن يُعلِّمنى فهمها وحفظها، فما نسيتُ آية من كتاب الله، ولا علماً أملاه علىّ فكتبته منذ دعا لى بما دعا، وما ترك شيئاً علَّمه الله من حلال وحرام، ولا أمر ولا نهى كان أو يكون من طاعة أو معصية إلا علَّمنيه. وحفظته فلم أنس منه حرفاً واحداً، ثم وضع يده على صدرى ودعا الله أن يملأ قلبى علماً وفهماً وحكمة ونوراً، فقلت: يا رسول الله - بأبى أنت وأمى - منذ دعوتَ الله لى بما دعوت لم أنس شيئاً ولم يفتنى شئ لم أكتبه، أوَ تتخوَّف علىّ النسيان فيما بعد؟. فقال: لستُ أتخوَّفُ عليك نسياناً ولا جهلاً" قال: ورواه العياشى فى تفسيره والصدوق فى إكمال الدين. بتفاوت يسير فى ألفاظه، وزيد فى آخره: "وقد أخبرنى ربِّى أنه قد استجاب لى فيك وفى شركائك الذين يكونون من بعدك، فقلت: يا رسول الله؛ ومَن شركائى من بعدى؟ قال: الذين قرنهم الله بنفسه وبى، فقال: ﴿أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾.. فقلت: ومَن هم؟ قال: الأوصياء منى إلى أن يردوا علىَّ الحوض، كلهم هادين مهتدين لا يضرهم من خذلهم، هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقهم ولا يفارقونه، بهم تُنصر أُمتى وبهم تُمطر، وبهم يُدفع عنهم البلاء، وبهم يُستجاب دعاؤهم. فقلت: يا رسول الله؛ سمِّهم لى.. فقال: ابنى هذا.. ووضع يده على رأس الحسن، ثم قال: ابنى هذا.. ووضع يده على رأس الحسين، ثم بان له يقال له: علىّ وسيولد سفى حياتك فأقرئه منى السلام، ثم تكملة اثنى عشر من ولد محمد. فقلت له: بأبى أنت وأُمى أنت فسمِّهم لى، فسمَّاهم رجلاً رجلاً، فقال: منهم - والله يا أخا بنى هلال - مهدى أُمة محمد، الذى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، والله أنى لأعرف مَن يبايعه بين الركن والمقام وأعرف أسماء آبائهم وقبائلهم".
ومنها ما نقله عن الكافى بإسناده إلى زيد الشحَّام.. قال: دخل قتادة ابن دعامة على أبى جعفر عليه السلام فقال: يا قتادة؛ أنت فقيه أهل البصيرة؟ فقال: هكذا يزعمون. فقال أبو جعفر عليه السلام: بعلم تُفسِّره أم بجهل؟ قال: لا، بل بعلم، فقال له أبو جعفر عليه السلام: فإن كنت تُفسِّره بعلم فأنت أنت وأنا أسألك. قال قتادة: سل. قال: أخبرنى عن قول الله تعالى فى سبأ: ﴿وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ﴾.. فقال قتادة: مَن خرج من بيته بزاد وراحلة وكرى حلال يريد هَذَا البيت كان آمناً حتى يرجع إلى أهله. فقال أبو جعفر عليه السلام: نشدتك بالله - يا قتادة - هل تعلم أنه قد يخرج الرجل من بيته بزاد وراحلة وكرى حلال يريد هذا البيت فيُقطع عليه الطريق فتذهب نفقته ويُضرب مع ذلك ضربة فيها اجتياحه؟ قال قتادة: اللَّهم نعم. فقال أبو جعفر عليه السلام: ويحك يا قتادة.. إن كنت إنما فسَّرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هكتَ وأهلكت، وإن كنتَ أخذته من الرجال فقد هلكتَ وأهلكت، ويحك يا قتادة.. ذلك من خرج من بيته بزاد وراحلة وكرى حلال يؤم هذا البيت عارفا بحقنا، يهوانا قلبه، كما قال الله تعالى: ﴿فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي؟ إِلَيْهِمْ﴾، ولم يعين البيت فقيل: إليه.. ونحن واللهِ دعوة إبراهيم عليه السلام التى مَن هوانا قلبه قُبِلت حَجَّته وإلا فلا، يا قتادة فإذا كان ذلك كان آمناً من عذاب جهنم يوم القيامة. قال قتادة: لا جَرَم الله لا أُفسرها إلا هكذا. فقال أبو جعفر عليه السلام: ويحك يا قتادة.. إنما يعرف القرآن من خُوطب به".
* *
* مَن يجوز له أن يُفسِّر القرآن برأيه: