وفى سورة النحل عند قوله تعالى فى الآية [٨١]: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ﴾.. يقول: "يعنى ظلال أوليائه، ليستظل بها المريدون من شدة حر الهجران، ويأوون إليها من قهر الطغيان، وشياطين الإنس والجان، لأنهم ظلال الله فى أرضه، لقوله عليه السلام: "السلطان ظل الله فى أرضه، يأوى إليه كل مظلوم"، ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً﴾ أكنان الجبال: قلوب أكابر المعرفة، وظلال أهل السعادة من أهل المحبة، يسكن فيها المنقطعون إلى الله، ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ جعل للعارفين سرابيل روح الأُنس، لئلا يحترقوا بنيران القدس، ﴿وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ﴾ سرابيل المعرفة وأسلحة المحبة، لتدفعوا بها محاربة النفوس والشياطين، ثم زاد نعته ومنَّته عليهم بقوله: ﴿كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ﴾.
وفى سورة النمل عند قوله تعالى فى الآيتين [٢٠، ٢١]: ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَالِيَ لاَ أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَآئِبِينَ * لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾.. يقول: "إن طير الحقيقة لسليمان طير قلبه فتفقده ساعة، وكان قلبه غائباً فى غيب الحق، مشغولاً بالمذكور عن الذكر، فتفقده وما وجده. فتعجب من شأنه.. أين قلبه إن لم يكن معه؟.. فظن أنه غائب عن الحق وكان فى الحق غائباً، وهذا شأن غيبة أهل الحضور من العارفين ساعات لا يعرفون أين هم، وهذا من كمال استغراقهم فى الله، فقال: ﴿لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾: لأُعذبنه بالصبر على دوام المراقبة والرعاية، وألقينه فى بحر النكرة من المعرفة، ليفنى ثم يفنى عن الفناء، أو أذبحنه بسيق المحبة أو بسيف العشق، أو ليأتينى من الغيب بسواطع أنوار أسرار الأزل..".
هذا.. والكتاب مطبوع فى جزءين، يضمهما مجلد كبير، وتوجد منه نسخة بالمكتبة الأزهرية.
* * *