( نماذج من التفسير الظاهر لابن عربى )
فى سورة الأنعام عند قوله تعالى فى الآية [١٥٣]: ﴿وَأَنَّ هَاذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذالِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.. يقول: ﴿وَأَنَّ هَاذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً﴾ فأضافه إليه، ولم يقل: صراط الله، ووصفه بالاستقامة.. ثم قال: ﴿فَاتَّبِعُوهُ﴾ الضمير يعود على صراطه، ﴿وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ﴾ يعنى شرائع من تقدَّمه ومناهجهم من حيث ما هى شرائع لهم، إلا إن وجد حكم فيها في شرعى فاتبعوه من حيث ما هو شرع لنا لا من حيث ما كان شرعاً لهم، ﴿فَتَفَرَّقَ بِكُمْ﴾ يعنى تلك الشرائع، ﴿عَن سَبِيلِهِ﴾ أى عن طريقه الذى جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يقل عن سبيله الله، لأن الكل سبيل الله، إذ كان الله غايتها، ﴿ذالِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ أى تتخذون تلك السبيل وقاية تحول بينكم وبين المشى على غيره".
وهذا تفسير مقبول، لجريانه على مقتضى الظاهر من الآية، ولكن نجد صاحبنا أحياناً يشطح فى فهمه لظاهر اللآيات شطحات لا نستطيع أن نسلمها له على ظاهرها، وإنما أقول "على ظاهرها" لأنه ربما كان يعنى من وراء هذا الظاهر معنى لا غبار عليه، أراده هو، وجهلته أنا، فمن ذلك أنه يقول: "اعلم - وفقك الله - أن الله أخبر عن نبيه ورسوله عليه السلام فى كتابه أنه قال: ﴿مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ﴾ فما ثَمَّ إلا مَن هو مستقيم على الحقيقة على صراط الرب، لأنه ما ثَمَّ إلا مَن الحقُّ آخذ بناصيته، ولا يمكن إزالة ناصيته من يد سيده وهو على صراط مستقيم، ونكَّرَ لفظ "دابة" فعمَّ، فأين المعوج حتى نعدل عنه؟ فهذا جبر، وهذه استقامة، فالله يوفقنا فى إنزال كل حكمة فى موضعها".
هذه بعض النماذج من تفسير ابن عربى. ومنها تستطيع أن تحكم على فهمه لمعانى القرآن، كما تستطيع أن تقارن بينها وبين ما فى تأويلات القاشانى، المنسوبة لابن عربى، لتقف على مقدار التشابه بين التفسيرين، وتأثر كل منهما بعقيدته فى وحده الوجود.
وبعد.. فهذا هو تفسير الصوفية، وهؤلاء هم أهم مفسريه، وهذه هى أهم الكتب المؤلَّفة فيه، ولعلى أكون قد أوفيتُ البحث حقه، وألممتُ بالموضوع من جميع نواحيه.
* * *