وأحسب أن الإمامية الإثنى عشرية، عَزَّ عليهم أن يكون القرآن غير صحيح فى عقيدتهم بالنسبة للأئمة وموافقيهم، وبالنسبة لأعدائهم ومخالفيهم، وكأنِّى بهم وقد تساءلوا فيما بينهم فقالوا: إذا كان القرآن جُلَّه وارداً فى شأن الأئمة وشيعتهم، وفى شأن أعدائهم ومخالفيهم، فلِمَ لَمْ يأت القرآن بذلك صريحاً مع أنه المقصود أولاً وبالذات؟ ولِمَ اكتفى بالإشارة الباطنة فقط؟... كأنِّى بهم بعد هذا التساؤل، وبعد هذا الاعتراض الذى أخذ بخناقهم، راحوا يتلمسون للتخلص منه كل سبيل، فلم يجدوا أسهل من القول بتحريف القرآن وتبديله، فقالوا: إنّ القرآن الذى جمعه علىّ عليه السلام. وتوارثه الأئمة من بعده، هو القرآن المصحيح الذى لم يتطرق إليه تحريف ولا تبديل، أما ما عداه فمحرَّف ومبدَّل، حُذف منه كل ما ورد صريحاً فى فضائل آل البيت، ولك ما ورد صريحاً فى مثالب أعدائهم ومخالفيهم. وأخبار التحريف متواترة عند الشيعة، ولهم فى ذلك روايات كثيرة يروونها عن آل البيت، وهم منها براء.
يروى الكافى عن الصادق: أنّ القرآن الذى نزل به جبريل على محمد - ﷺ - سبعة عشر ألف آية، والتى بأيدينا منها ستة آلاف ومائتنان وثلاث وستون آية، والبواقى مخزونة عند أهل البيت فيما جمعه علىّ.
ويقولون: إن سورة "لم يكن" كانت مشتملة على اسم سبعين رجلاً من قريش بأنسابهم وآبائهم. وإن سورة "الأحزاب" كانت مثل سورة "الأنعام" أسقطوا منها فضائل أهل البيت. وإن سورة "الولاية" أسقطت بتمامها... وغير ذلك من خرافاتهم.
وأخف ما لهم فى هذا الموضوع هو "أن جميع ما فى المصحف كلام الله، إلا نه بعض ما نزل والباقى مما نزل عند المستحفظ لم يضع منه شىء وإذا قام القائم يقرؤه الناس كما أنزله الله على ما جمعه أمير المؤمنين علىّ".
ولقد اصطدم مدَّعو التحريف والتبديل، بنصوص من القرآن صريحة فى هدم مدَّعاهم هذا، فمن تلك النصوص قوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾، ولكن سرعان ما تخلَّصوا منها بالتأويل فقالوا: ﴿وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾.. أى عند الأئمة، وبمثل هذا التأويل يتخلصون من باقى النصوص المعارضة لهم.
واصطدموا أيضاً بأمرين آخرين لهما عظيم الخطر على عقائدهم ومبادئهم.
أولهما: كيف تعتمدون فى تعاليمكم ومعتقداتكم على هذا القرآن الذى بأيدينا وقد جزمتم بوقوع التحريف والتبديل فيه؟
ثانيهما: كيف توجبون على الناس أن يعترفوا بفضائل آل البيت ويتبرأوا من أعدائهم ومخالفيهم، والحُجَّة غير قائمة عليهم بعد أن حُذِف كل ذلك من القرآن؟
وقد أجابوا عن الأول: بأنَّ التحريف إنما وقع فيما لا يخل بالمقصود كثير إخلال، كحذف اسم علىّ، وآل محمد، وأسماء المنافقين.
وأجابوا عن الثانى: بأنّ الله تعالى علم ما سيكون من وقوع التحريف والتبديل فى القرآن، فلم يكتف بما جاء صريحاً فى فضائل أهل البيت ومثالب أعدائهم، بل أشار إلى ذلك ودلّ عليه بحسب بطون القرآن وتأويله، وهذا قد سلم من التحريف والتبديل قطعاً، فبقيت الحُجَّة قائمة على الناس، وإن بدلُّوا الظاهر وحرَّفوه.
والحق أن الشيعة هم الذين حرَّفوا وبدَّلوا، فكثيراً ما يزيدون فى القرآن ما ليس منه، ويدَّعون أنه قراءة أهل البيت، فمثلاً نراهم عند قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ﴾، يزيدون: "فى شأن علىّ"، وهى زيادة لم ترد إلا من طريقهم، وهى طريق مطعون فيها.
وهم الذين حرَّفوا القرآن أيضاً حيث تأوَّلوه على غير ما أنزل الله "قيل للصادق: ألم يكن علىّ قوياً فى دين الله؟ قال: بلى. قيل: فكيف ظهر عليه القوم ولم يدفعهم؟ وما منعه من ذلك؟ قال الصادق: آية فى كتاب الله منعته. قيل: أى آية؟ قال: ﴿لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً﴾... كان لله ودائع مؤمنون فى أصلاب قوم كافرين ومنافقين، ولم يكن علىّ يقتل الآباء، حتى تخرج الودائع، فلما خرجت ظهر علىّ على مَن ظهر فقتلهم.
وروى العياشى عن الباقر أنه قال: لما قال النبى صلى الله عليه وسلم: "اللَّهم أعزَّ الإسلام بعمر ابن الخطاب أو بعمرو بن هشام" أنزل الله: ﴿وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً﴾.
وتقول أصول الكافى فى قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً﴾: إن هذه الآية نزلت فى أبى بكر وعمر وعثمان، آمنوا بالنبى أولاً، ثم كفروا حيث عرضت عليهم ولاية علىّ، ثم آمنوا بالبيعة لعلىّ، ثم كفروا بعد موت النبى. ثم ازدادوا كفرً بأخذ البيعة من كل الأمة.