( مقالة محمد بن مالك اليمانى فى الباطنية )
يقول محمد بن مالك اليمانى: "أول ما أشهد به وأشرحه، وأبينه للمسلمين وأوضحه، أنّ له - يريد علىّ بن محمد الصليحى زعيم باطنية اليمن فى وقته - نواباً يسميهم الدعاة المأذونين وآخرين يلقبهم المكلبين، تشبيهاً لهم بكلاب الصيد، لأنهم ينصبون للناس الحبائل، ويكيدونهم بالغوائل، وينقبضون عن كل عاقل، ويُلبّسون على كل جاهل، بكلمة حق يُراد بها الباطل، ويحضونه على شرائع الإسلام، من الصلاة والزكاة والصيام، كالذى ينثر الحَب للطير ليقع فى شركه، فيقيم أكثر من سنة يمعنون به، وينظرون صبره، ويتصفحون أمره، ويخدعونه بروايات عن النبى ﷺ محرّفة، وأقوال مزخرفة، ويتلون عليه القرآن غلى غير وجهه، ويحرِّفون الكلم عن مواضعه، فإذا رأوا منه الانهماك والركون والقبول والإعجاب بجميع ما يُعلِّمونه، والانقياد بما يأمرونه، قالوا حينئذٍ: اكشف عن السرائر ولا ترضى لنفسك ولا تقنع بما قنع به العوام من الظواهر، وتدبر القرآن ورموزه، واعرف مُثُله وممثوله، واعرف معانى الصلاة والطهارة، وما روى عن النبى ﷺ بالرموز والإشارة، دون التصريح فى ذلك والعبارة، فإنما جميع ما عليه الناس أمثال مضروبة، لممثولات محجوبة، فاعرف الصلاة وما فيها، وقف على باطنها ومعانيها، فإن العمل بغير علم لا ينتفع به صاحبه، فيقول: عَمّ أسأل؟ فيقول: قال الله تعالى: ﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ﴾، فالزكاة مفروضة فى كل عام مرة، وكذلك الصلاة، من صلاَّها مرة فى السنة فقد أقام الصلاة بغير تكرار، وأيضاً فالصلاة والزكاة لهما باطن لأن الصلاة صلاتان، والزكاة زكاتان، والصوم صومان، والحج حجان، وما خلق الله سبحانه من ظاهر إلا وله باطن يدل على ذلك: ﴿وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ﴾، ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾، ألا ترى أن البيضة لها ظاهر وباطن؟ فالظاهر ما تساوى به الناس، وعرفه الخاص والعام، وأما الباطن فقصر علم الناس به عن العلم به، فلا يعرفه إلا القليل من ذلك قوله: ﴿وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ﴾، وقوله: ﴿وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ﴾، وقوله: ﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾.. فالأقل من الأكثر الذين لا عقول لهم.