بين يدى البحث: الشيعة وموقفهم من تفسير القرآن
* كلمة إجمالية عن الشيعة وعقائدهم:
الشيعة فى الأصل، هم الذين شايعوا علياً وأهل بيته ووالوهم، وقالوا: إن علياً هو الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الخلافة حق له، استحقها بوصية من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهى لا تخرج عنه فى حياته، ولا عن أبنائه بعد وفاته، وإن خرجت عنهم فذلك يرجع إلى واحد من أمرين:
أحدهما: أن يغتصب غاصب ظالم هذا الحق لنفسه.
ثانيهما: أن يتخلى صاحب الحق عنه فى الظاهر، تقية منه، ودرءاً للشر عن نفسه وعن أتباعه.
وهذا المذهب الشيعى، من أقدم المذاهب الإسلامية، وقد كان مبدأ ظهوره فى آخر عهد عثمان رضى الله عنه ثم نما واتسع على عهد علىّ رضى الله عنه، إذا كان كلما اختلط - رضى الله عنه - بالناس تملكهم العجب، واستولت عليهم الدهشة، مما يظهر لهم من قوة دينه، ومكنون علمه، وعظيم مواهبه، فاستقل الدعاة كل هذا الإعجاب وأخذوا ينشرون مذهبهم بين الناس.
ثم جاء عصر بنى أمية وفيه وقعت المظالم على العلويين، ونزلت بهم محن قاسية، أثارت كامن المحبة لهم، وحرَّكت دفين الشفقة عليهم، ورأى الناس فى علىّ وذُريَّته شهداء هذا الظلم الأموى، فاتسع نطاق هذا المذهب الشيعى وكثر أنصاره. ويظهر لنا أنّ هذا الحب لعلىّ وأهل بيته، وتفضيلهم على مَن سواهم، ليس بالأمر الذى جَدَّ وحدث بعد عصر الصحابة، بل وُجِد من الصحابة مَن كان يحب علياً ويرى أنه أفضل من سائر الصحابة، وأنه أوَلى بالخلافة من غيره، كعمار بن ياسر، والمقداد بن الأسود، وأبى ذر الغفارى، وسلمان الفارسى، وجابر بن عبد الله.. وغيرهم كثير.
غير أنّ هذا الحب والتفضيل لم يمنع أصحابه من مبايعة الخلافاء الذين سبقوا علياً رضى الله عنه، لعلمهم أنّ الأمر شورى بينهم، وأنّ صلاح الإسلام والمسلمين لا بد له من شمل متحد وكلمة مجموعة، كما أنّ الأمر لم يصل بهم إلى القول بالمبدأ الذى تكاد تتفق عليه كلمة الشيعة، ويرونه قوام مذهبهم وعقيدتهم وهو: "أنّ الإمامة ليست من مصالح العامة التى تُفوِّض إلى نظر الأمة، ويعين القائم بها بتعيينهم، بل هى ركن الدين وقاعدة الإسلام، ولا يجوز للنبى إغفاله ولا تفويضه إلى الأمة، بل يجب عليه تعيين الإمام لهم، ويكون معصوماً من الكبائر والصغائر، وأنّ علياً رضى الله عنه، هو الذى عيّنه رسول الله صلوات الله وسلامه عليه".
لم يكن الشيعة جميعاً متفقين فى المذهب، والعقيدة، فمنهم مَن تغالى فى تشيعه وتطرّف فيه إلى حد جعله يلقى على الأئمة نوعاً من التقديس والتعظيم، ويرمى كل مَن خالف علياً وحزبه بالكفر. ومنهم مَن اعتدل فى تشيعه فاعتقد أحقبة الأئمة بالإمامة وخطأ مَن خالفهم، ولكن ليس بالخطأ الذى يصل بصاحبه إلى درجة الكفر.
وثانيهما: الاختلاف فى تعيين الأئمة، وذلك أنهم اتفقوا جميعاً على إمامة علىّ رضى الله عنه، ثم على إمامة ابنه الحسن من بعده، ثم على إمامة الحسين من بعد أخيه. ولما قُتِل الحسن على عهد يزيد بن معاوية تعددت وجهة نظر الشيعة فيمن يكون الإمام بعد الحسين رضى الله عنه:
ففريق يرى أنّ الخلافة بعد قتل الحسين انتقلت إلى أخيه من أبيه، محمد ابن علىّ، المعروف بابن الحنفية، فبايعوه بها.
وفريق ثان: يرى حصر الإمامة فى ولد علىّ من فاطمة، وقد أصبحت بعد قتل الحسين حقاً لأولاد الحسن، لأنه أكبر إخوته فلا يؤثر بها غير أولاده، وهم ينتظرون كبرهم ليبايعوا أرشدهم.
وفريق ثالث: يرى ما يراه الفريق الثانى من حصرها فى ولد علىّ من فاطمة، غاية الأمر أن يقول: إنّ الحسن قد تنازل عنها فسقط حق أولاده فيها، وبقيت الإمامة حقاً لأولاد الحسين الذى قُتِل من أجلها فهم أولى بالانتظار.
بلغ عدد الفرق التى انقسم إليها الشيعة حداً كبيراً من الكثرة، منها مضن تغالى فى تشيعه وتجاوز بمعتقداته حد العقل والإيمان، ومنها مَن اعتدل فى تشيعه فلم تبالغ كما بالغ غيرها.
ولستُ بمستوعب كل هذه الفِرق، ولكنى سأقتصر على فرقتين هما: الزيدية، والإمامية "الإثنا عشرية"، و "الإسماعيلية"، لأنى لم أعثر على مؤلفات فى التفسير لغير هاتين الفِرقتين من فِرق الشيعة.
* * *


الصفحة التالية
Icon