( موقفهم من الأئمة وأثر ذلك فى تفسيرهم )
وإذا نحن استعرضنا هذه المعتقدات وجدنا أن أهمها يدور حول أئمتهم، فهم يلقون على الأئمة نوعاً من التقديس والتعظيم، ويرون أن الأئمة "أركان الأرض أن تميد بأهلها، وحُجَّة الله البالغة على مَن فوق الأرض ومَن تحت الثرى" ويرون أنّ الإمامة "زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا، وعز المؤمنين".
ولما كان الإمام عندهم فوق أن يُحكم عليه، وفوق الناس فى طينته وتصرفاته، فإنّا نراهم يعتقدون بأن له صلة روحية بالله تعالى كتلك الصلة التى للأنبياء والرسل، وأنه مُشَرِّع ومُنَفِّذ، وأنَّ الله قد فوَّض النبى والإمام فى الدين، ويروون عن الصادق أنه قال: "إنَّ الله خلق نبيه على أحسن أدب وأرشد عقل، ثم أدَّب نبيه فأحسن تأديبه فقال: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾، ثم أثنى الله عليه فقال: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾، ثم بعد ذلك فوَّض إليه دينه، فوَّض إليه التشريع فقال: ﴿وَمَآ آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ﴾، و ﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾، الله فوض ديتع إلى نبيه. ثم إن نبى الله فوَّض كل ذلك إلى علىّ وأولاده سلمتم وجحده الناس، فوالله لنحبم أن تقولوا إذا قلنا وأن تصمتوا إذا صمتنا، ونحن فيما بينكم وبين الله، وما جعل الله لأحد خيراً فى خلاف أمرنا".
وحيث إن الله تعالى خلق النبى وكل إمام بعده على أحسن أدب وأرشد عقل، فلا يختار النبى ولا الإمام إلا ما فيه صلاح وثواب، ولا يخطر بقلب النبى ولا بقلب الإمام ما يخالف مشيئة الله وما يناقض مصلحة الأمة. فيفوِّض الله تعيين بعض الأمور إلى رأى النبى ورأى الإمام مثل الزيادة فى عدد ركعات الفرض ومثل تعيين النوافل من الصلاة والصيام، وذلك إظهاراً لكرامة النبى والإمام، ولم يكن أصل التعيين إلا بالوحى، ثم لم يكن الاختيار إلا بالإلهام، وله فى الشرع شواهد: حرَّم الله الخمر، وحرَّم النبى كل مسكر فأجازه الله، وفرض الله الفرائض ولم يذكر الجد، فجعل النبى للجد السدس، وكان النبى يُبشِر ويُعطِى الجنة على الله ويُجيزه الله.
وأيضاً فوَّض الله النبى والأئمة من بعده أمور الخلق، وأمرو الإدارة والسياسة من التأديب والتكميل والتعليم، وواجب على الناس طاعتهم فى كل ذلك، قالوا: وهذا حق ثابت دلّت الأخبار عليه.
وأيضاً فوَّضهم الله تعالى فى البيان، بيان الأحكام والإفتاء وتفسير آيات القرآن وتأويلها، ولهم أن يبينوا ولهم أن يسكتوا، ولهم فوق ذلك الباين كيفما أرادوا وعلى أى وجه شاءوا تقيَّة منهم وعلى حسب الأحوال والمصلحة. والتفويض بهذا المعنى يَدَّعون أنه حق ثابت لهم، والأخبار ناطقة به وشاهدة عليه. يقول صاحب "الكافى" :"سأل ثلاثة من الناس صادق عن آية واحدة فى كتاب الله فأجاب كل واحد بجواب، أجاب ثلاثة بأجوبة ثلاثة، واختلاف الأجوبة فى مسألة واحدة كان يقع إما على سبيل التقيَّة وإما على سبيل التفويض".
وهناك نوع آخر من التفويض يثبتونه للنبى والأئمة، ذلك هو أن النبى أو الإمام له أن يحكم بظاهر الشريعة، وله أن يترك الظاهر ويحكم بما يراه وما يلهمه الله من الواقع وخالص الحق فى كل واقعة، كما كان لصاحب موسى فى قصة الكهف، وكما وقع لذى القرنين.
ثم كان من توابع هذه العقيدة التى يعتقدونها فى أئمتهم أن قالوا بعصمة الأئمة، وقالوا بالمهدى المنتظر، وقالوا بالرجعة، وقالوا بالتقيَّة، وهذه كلها عقائد رسخت فى أذهانهم وتمكنت من عقولهم، فأخذوا بعد هذا ينظرون إلى القرآن الكريم من خلال هذه العقائد ففسروا القرآن وفقاً لهواهم، وفهموا نصوص وتأوَّلوها حسبما تمليه عليهم العقيدة ويزينه لهم الهوى... وهذا تفسير بالرأى المذموم، تفسير من اعتقد أولاً، ثم فسّر ثانياً بعد أن اعتقد.
* *