وقد تولى المفسر أبو السعود شرح خطته ومنهجه في ذلك التفسير فذكر أنه اشتغل طويلاً بالتفسيرين العظيمين: تفسير الزمخشري وتفسير البيضاوي، مطالعة وممارسة وانتصاباً للتدريس والتقرير، وأنه طالما فكر في أن ينظمهما في سلك واحد، ويرتبهما على ترتيب أنيق، وأن يضيف إليهما جواهر حقائق، وزواهر دقائق، مما ظفر به في الكتب أو ما سمح به فكره، وإن ما توافر عليه من الأشغال قد كان يحول بينه وبين تحقيق تلك الأمنية حتى تقدمت به السن فهناك عزم على إملاء ما كان يصبو إليه في أوقات مختزلة من بين الأشغال، وبأفكار موزعة بما يشغل البال.
ونحن إذا وضعنا تفسير أبي السعود في الصعيد الذي أراد مؤلفه أن يضعه فيه يتبين لنا أنه كان موفقاً معاناً على تحقيق الغرض الذي يقصد إليه من السير مع الكشاف والبيضاوي سيراً جامعاً لهما، متعقباً لمباحثهما: بتحرير محكم، وبيان دقيق، وسبك متين.
فلذلك تلقفه الناس منذ بروزه بالاعتناء، ونظروا إليه بالإعجاب، فشاعت نسخته الخطية شرقاً وغرباً وأصبح مقاسماً للبيضاوي عناية الناس به، وملأ برامج التعليم في معاهد البلاد الإسلامية قاطبة بعد أن نظمت العظمة العثمانية تلك البلاد في سلك واحد، اتسق به سير التعليم الإسلامي في المشرق والمغرب منذ القرن العاشر إلى قرننا الحاضر (١).
وكانت شهرة أبي السعود في العصور القريبة من عصره، وجدة الوضع الذي أخرجه في التفسير، يزيدان في إقبال الناس عليه واعتنائهم به. فكانت كل بلد من البلاد العربية تستقر فيها تقاليد الدراسة على المناهج الأعجمية، بعد الفتح العثماني، يشيع فيها تفسير أبي السعود.
فلم يكد يستهل القرن الحادي عشر حتى كانت خزائن الكتب عامرة بنسخ هذا التفسير، ومجالس الدرس حافلة به، وكان العلماء من العرب والعجم قد اعتنوا بتدريسه والتعليق عليه.