وبذلك المحل الذي ناله من عناية عاصمة الخلافة، طار صيت الآلوسي، وعظمت شهرته ونال من عظمة الشهرة ما هو تابع لها من التفات الناس إليه، واشتغالهم به وتتبعهم لآثاره، بين قادح ومادح، وكانت حركة السلطان محمود الكبرى في القضاء على الانكشارية والقوانين العسكرية القديمة، وإدخال التنظيمات، وتغيير الزي واستحداث الوسائل الجديدة للتعليم وقوانين الحكم والإدارة وتقاليد السلطنة، من شأنها أن تثير في وجهه مصاعب يذللها، كلياً أو نسبياً، تأييد تلك العصابة العلمية وتزكيتهم لعمله، وإن تعرض أولئك العلماء لما يتعرض إليه الناطقون بكلمة الحق المحايدة في وجه الأفكار الساذجة، والميول المنحرفة من الغمز واللمز، وكذلك كان شأن الشيخ الآلوسي مع السلطان محمود. فإن السلطان قد تظاهرت عليه عوامل الغضب الشعبي، واتجهت الدعايات المسيرة بتلك العوامل إلى أن تظهر صنيعه مروقاً من الدين وعبثاً بحرماته، لا سيما بما أحدثته سياسته الجديدة من قطيعة بالغة بينه وبين الطريقة البكطاشية التي كانت أعظم سند روحاني للدولة العثمانية، منذ خمسة قرون، فكان ما حصل له من تأييد الشيخ الآلوسي على اشتهاره، وعلو منزلته، ونفوذ كلمته، أمراً ذا أثر عظيم في إسناد الدولة والفت في عضد خصومها.
وذلك ما حمل السلطان على أن يظهر تقدير المنة، وشكر الجميل، بما رفع من منزلة رسمية للآلوسي في تقليده خطة الإفتاء، ثم تقليده نيشان الافتخار العثماني، لما أنشأه تذكاراً للتطور الإصلاحي الجديد، وتنويهاً برجاله، وذلك أيضاً ما استهدف به الآلوسي لتيار من النقد والكيد والدس، كثر تبرمه به، وشكواه منه في كتبه.