والفقه كان قد تأثر بانتشار المذهب الحنفي وما مارس فقهاؤه في البلاد الإسلامية قاطبة من تحقيق مناط الأحكام وبحث الصور واختلافها مما لا عهد به لفقهائه الماضين على نحو ما ظهر في كتاب الفتاوى الهندية على عهد السلطان أورنك زيب، وفي كتب فقهاء الشام العظام مثل خير الدين الرملي، وابن عابدين، وعلم التصوف كان قد ساد وجند عقول العامة والخاصة، حتى لم يبق لغيره معه من مجال، وعلوم اللغة العربية كانت سائرة على المنهج التحليلي، الذي عليه أعاظم الأعاجم وعلماء الروم مثل: رضي الدين الاسترابادي، والجاربردي، وديكوز وقد استندت كلها إلى هضبة علم البلاغة، التي سمت قيمتها بسعد الدين التفتازاني، وارتوت من مجاري الأدب العربي الصميم، على نحو ما مزج بين علوم العربية وآدابها البغدادي في كتاب " خزانة الأدب " وما أحكم التفتازاني من صلة بين نكت البلاغة وروائع شعر المعري تبعاً لطريقة شارح ديوان المعري حسين الخوارزمي المشهور بـ (صدر الأفاضل).
والأدب الفارسي، من جهته كان قد سما بالحكمة الصوفية، وتفتق بمراس رجاله اللغة العربية، وفنونها العلمية والأدبية، ففاض في شعر جلال الدين الرومي، وحافظ الشيرازي، وسعدي، وجامي ونشأت اللغة التركية والعثمانية وآدابها في حجر الأدب الفارسي، فكانت اللغة الفارسية قوام تعليم اللغة التركية ولسان العلوم والآداب فيها.
وكان صاحبنا الآلوسي قد ورد كل نهر من تلك الأنهار المتلاقية، وتشرب من كل نبع منها حتى تضلع.