فبهذه الثروة الواسعة من المعارف، وبالأسلوب الجامع بينها في الدراسة على الطريقة العثمانية الجديدة، التي كانت قوام البيئة العلمية في بغداد، تقدم الشيخ محمود الآلوسي لتحرير تفسيره الذي جاء في تسع مجلدات ضخمة تتألف من أكثر من خمسة آلاف صفحة مطبوعة من القالب الكبير.
فسلك فيه مسلك التفسير اللغوي: يهتم أولاً ببيان موقع المفرد، أو المركب من جملة الكلام، معتمداً على قواعد الإعراب واستعمالات البلاغة ومعتصماً بانسجام المعاني وتسلسل الأغراض.
ويخطط بذلك منهجه لاستخراج المعنى المراد، معتمداً على الشواهد، إلا انه يغرق إغراقاً قد يسرف فيه في مسائل الاشتقاق والإعراب حتى يتجاوز محل البيان إلى القواعد والمباحث، من البحث اللغوي ينتقل إلى المفاد معتمداً على الأحاديث وأسباب النزول متحرياً في ذلك أكثر من الزمخشري والبيضاوي فلا يزال يتجنب الأخبار الواهية ويحرص على الإسناد المعتد به، وربما بنى بحوثه مع صاحب الكشاف على الاستناد إلى نقد الأسانيد.
وفي تحصل المفاد القرآني يحرص على إيراد الأنظار الأصلية والفرعية، فيناقش الاستدلالات ويتعقب الأقوال ويعتمد على مقابلة الرأي بالرأي، ممسكاً في الغالب بما في تفسير الطبرسي من محامل غير سنية ليناقشها بقواعد الأصول ومقتضيات التراكيب البلاغية، وآخذاً على الإمام فخر الرازي تمسكه بنصرة مذهب الشافعي، فيناقش كلامه بما للفقهاء والأصوليين من الحنفية في تلك المسائل من أنظار في رد حجج الشافعية ومناقضتها أو متجنباً طريقة الرازي في ترجيح مذهب الأشعري، آخذاً بترجيح مذهب السلف.