فكما وجد في أصحاب ابن عباس رجال مشهورون بالصدق والثقة والإتقان، يعتمد المحدثون إلى أخبارهم، ويسندون عنهم: مثل مجاهد، وعكرمة، وطاووس، وعطاء بن أبي رباح، وسعيد بن جبير، وهم الذين خرج عنهم الإمام البخاري ما وجد في صحيحه من التفسير مسنداً إلى ابن عباس، فقد وجد في أصحاب ابن عباس أيضاً من كان منهم رجال الحديث على أشد الحذر، وأثبتوا أن في كل ما رووا نظراً: مثل الضحاك، وعطية بن سعيد، والسدي الذي يروي عنه محمد بن السائب الكلبي وقد ضرب بهما المثل في ضعف الحديث، حتى إنهم قالوا: إن أوثق سلاسل الإسناد هي: مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر وتسمى " سلسلة الذهب "، وأن أوهى السلاسل هي: الكلبي عن السدي عن ابن عباس وتسمى " سلسلة الخزف ".
وليس المراد بذلك، كما هو واضح، أن الضعف من ابن عباس، ولكنه من الراوي عنه المفتري عليه وكما ثبت هذا التقدير المختلف لأصحاب ابن عباس، ثبت لأصحاب غيره من الصحابة، المشهورين بالرواية عنهم: من الحجازيين والعراقيين والشاميين ونظراً إلى اشتهار ابن عباس في التفسير شهرته التي وصفنا، فإن الوضاعين والمنتحلين والمجازفين فتنوا بالكذب عنه، وإسناد الأكاذيب إليه، وحاشاه، وذلك شأن الانتحال في إرجاع كل منتحل إلى المشتهر في الباب الذي وقع الانتحال فيه، وبذلك أصبح السقيم فيما ينسب إلى ابن عباس غالباً على الصحيح، حتى ذكر علماء الحديث، نقلاً عن الإمام الشافعي، أنه لم يثبت على ابن عباس في التفسير إلا نحو مائة حديث.
وبذلك ينبغي الاعتماد على أن تلك الكتب المشهورة ــ وقد طبع بعضها ــ المشتملة على تفسير كثير مسند إلى ابن عباس هي مصادر غير موثوق بها للتفسير عند العلماء، وأن التفسير الموثوق بنسبته إلى ابن عباس هو ما مر بغرابيل النقد، فانتهى إلى الكتب الموثوق بها مثل صحيحي البخاري ومسلم وبقية الصحاح.