وقد اقتضى ذلك لا محالة اشتمال الكتاب الواحد، في الآية الواحدة على أخبار متخالفة، وآثار متفاوتة الدرجات من حيث مظنة الثبوت لقوة الأسانيد وضعفها. فتطلب ذلك رجوعاً إلى تلك الأخبار بالنقد والتمحيص، ليوضع منها ما يوضع على بساط الطرح والتزييف، ويثبت منها ما يثبت على مدرجة الاعتماد والتحصيل.
لا سيما وقد انتهى الكثير منها إلى المؤلفين متبعاً بتعاليق نقدية اتصلت بها، وصارت ذيولاً لها، منذ أن كانت متناقلة بالطريق الشفهي، قبل أن تدخل حيز التدوين.
فأصبح موقف المؤلفين حيال تلك الأخبار، مثل موقف مصنفي السنّة من مختلف الحديث، وموقف الفقهاء من متعارض فتاوى فقهاء الصحابة والتابعين، موقفاً يستدعي إدخال عناصر جديدة من المعارف المتصلة بتوضيح البحث، ثم إدخال عنصر شخصي من النقد والتقدير، والإسقاط والتحصيل، أو الجمع والتأويل، ينتهي إلى حكم موضوعي فاصل بحسب اجتهاد المؤلف، وتقديره، تتخذ له تلك الأخبار المتخالفة أسانيد ومقومات للاستنتاج كما يتخذ مجموع البينات المتعارضة مع ما يتصل بها من وسائل الإثبات سنداً لقضاء القاضي.
كانت أهم العناصر المرجوع إليها، بالإضافة إلى عنصر الروايات الواردة، عنصرين يتصلان مباشرة باللفظ القرآني هما: عنصر القراءة وعنصر الإعراب. أما القراءة فهي عبارة عن الصورة التي جاء عليها ضبط مفرد من ألفاظ القرآن بحسب ما سمع منه ونقل بالتواتر مما يرجع إلى تحقيق ذات الحرف، أو ما يرجع إلى شكل النطق به أو ما يرجع إلى حركته. فما يرجع إلى تحقيق ذات الحرف هو أمر مستند إلى رواية القرآن كما تلاه النبي ــ ﷺ ـــ على رءوس الأشهاد تحدياً تارة، وتعبداً تارة، وتلقيناً تارة أخرى.