وإنه لما يجدر التنبيه إليه في هذا المقام: أن الذين يشيرون إلى هذه الطريقة وخصائصها من الكاتبين حديثاً في تاريخ التفسير، يبادرون إلى ضرب المثل بتفسير محمد بن جرير الطبري، فيقطعون بذلك سلسلة التطور في الأوضاع التفسيرية بين القرن الأول والقرن الثالث بإضاعة الحلقة من تلك السلسلة التي تمثل منهج التفسير في القرن الثاني، لأن تفسير ابن جرير الطبري ألف في أواخر القرن الثالث، وصاحبه توفى في أوائل القرن الرابع، والحال أن الحلقة التي يتم بها اتصال السلسلة وضاعت عن الكاتبين المحدثين قي تاريخ التفسير: من المستشرقين وغير المستشرقين، هي حلقة أفريقية تونسية، بالوقوف عليها يتضح كيف تطور فهم التفسير عما كان عليه في عهد ابن جريج، إلى ما أصبح عليه في تفسير الطبري، ويتضح لمن كان الطبري مديناً له بذلك المنهج الأثري النظري الذي درج عليه في تفسيره العظيم.
إنما نعني بهذا تفسيراً جليلاً من صميم آثار القرن الثاني، وهو أقدم التفاسير الموجودة اليوم على الإطلاق، ألف بالقيروان وروي فيها، وبقيت نسخته الوحيدة بين تونس والقيروان، وهو الذي يعتبر مؤسس طريقة التفسير النقدي، أو الأثري النظري التي سار عليها بعده ابن جرير الطبري واشتهر بها.


الصفحة التالية
Icon