لعل ذلك المثل السائر الذي فاضت به الحكمة الفطرية " رب أخ لك لم تلده أمك " لم ينطبق يوماً على متآخيين متناصرين، على بُعد الأواصر، وتباين العناصر، كما انطبق على ما بين اللغة العربية ذاتها، وبين حبيبها وربيبها: فخر "خوارزم" جار الله أبي القاسم محمود بن عمر الزمحشري، فلقد نشأ متيماً بالعربية، متفانياً فيها، منقطعاً لروايتها وتحقيقها وخدمة علومها، مفضلاً لها، مناصراً لخصائصها ومعارفها، ومحارباً للمستنقصين قدرها من الشعوبييبن، معتزاً بما نال من المعرفة فيها، وشرُف به من الانتساب إليها.
ولقد افتن في تآليفه العجيبة بالتنويه بالعربية وفضلها، وعجيب أمرها وبارع محلها، وأتى من ذلك من خطبة كتابه العظيم في النحو ــ كتاب المفصل ــ بلهجة قاصفة على الصادفين (١) عن العربية، المتطلعين إلى تفضيل غيرها عليها، والزهد عن علومها، المحاولين اتخاذ لغة غيرها أداة لآدابهم ومعارفهم وأفكارهم، ولقد أبدع الزمخسري في العربية: علماً وذوقاً، ورواية، وإنشاء، فخلف ثروة عظيمة في الأوضاع اللغوية، مثل " أساس البلاغة " الذي وضعه معجماً على قاعدة التفريق في كل مادة بين استعمالاتها في المعاني الحقيقية الأصلية واستعمالاتها في المعاني المجازية وهي غاية لم تصعد إليها همة غيره من قبله ولا من بعده.
وكتاب " الفائق " في تفسير غريب الحديث، وهو معجم للاستعمالات اللفظية العربية الواردة في الأحاديث النبوية فتح به باباً واسعاً في لغة الحديث.
وكتاب " المستقصى " في الأمثال.
ومن الأوضاع النحوية مثل كتاب " المفصل " الشهير الذكر الطائر الصيت، الذي عكف الناس على شرحه ودراسته أكثر من ثمانية قرون، فلم يجدوا به بديلاً، وكتاب " الأنموذج " وكتاب " المفرد والمؤلف " و" شرح شواهد كتاب سيبويه ".