ولما كان تفسير القرآن ثمرة طول المراس لمختلف مواد الثقافة الإسلامية. ومؤسساً بالخصوص على الضلاعة في أصول الدين وأصول الفقه، على ما بناه الإمام فخر الدين الرازي، فإن القاضي البيضاوي قد أقبل على تفسير القرآن في الحقبة الأخيرة من حياته: حقبة الاستقرار في تبريز، بعد الانتقال إليها من شيراز وهي الحقبة المتصلة بموته، وقد كانت وفاته في تبريز سنة ٦٨٥هـ فإذا لاحظنا ــ بالاعتماد على ما أفاده السبكي في طبقاته، ومشى عليه صاحب كشف الظنون ــ أن انتقال البيضاوي إلى تبريز كان بعد أن تقلد منصب قاضي القضاة في شيراز ثم صرف عنه، فإن هذا يقتضي أن الانتقال إلى تبريز قد كان حوالي سنة ٦٥٠هـ، وبذلك يكون تأليف تفسير البيضاوي في النصف الثاني من القرن السابع بمدينة شيراز.
وقد اعتمد البيضاوي في دراسته القرآن العظيم لتحرير تفسيره على التفسيرين العظيمين: وهما تفسير الكشاف للزمخشري، والتفسير الكبير للفخر الرازي، فجعل اعتماده في بيان الألفاظ والتراكيب وتحليل المباني لاستخراج نكت المعاني على تفسير الكشاف، واعتمد في إبراز روح الحكمة القرآنية وعرض نظرياتها من نواحي الفلسفة وأصول الدين وأصول الفقه على المرجع في ذلك وهو تفسير الإمام الرازي.
وقد رأينا أن البيضاوي كان يتوخى اتباع الإمام الرازي ويتوخى مسالكه في عامة تأليفه، واعتمد في تحرير المعاني الذوقية، واستجلاء نكت الإشارات إلى دقائق المعارف على تفسير الراغب الأصفهاني، من مشاهير المفسرين من أهل السنة في القرن الرابع، وهو كتاب " مفردات القرآن " المطبوع المشهور وإن كان المؤلف واحداً.


الصفحة التالية