(٥) وَقدم أَبُو إِسْحَاق الشاطبي بعض الْأَوْجه الإعرابية لكَونهَا مُوَافقَة لقَوْل أهل السّنة فِي الْقدر، فَقَالَ - نقلا عَن ابْن مَالك مستدركا بِهِ عَلَيْهِ حَيْثُ لم يذكرهُ فِي الألفية -: "وَمن مرجحات النصب أَن يكون مخلِّصا من إِيهَام غير الصَّوَاب، وَالرَّفْع بِخِلَاف ذَلِك، كَقَوْلِه تَعَالَى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ ١ فَنَصْبُ "كل شَيْء" رفعٌ لتوهم كَون "خلقناه" صفة؛ إِذْ لَو كَانَ صفة لم يفسِّر ناصبا لما قبله.
وَإِذا لم يكن صفة كَانَ خَبرا فَيلْزم عُمُوم خلق الْأَشْيَاء بِقدر خيرا كَانَت أَو شرًّا. وَهَذَا قَول أهل السّنة. قَالَ: وَلَو قُرئ (كلُّ شَيْء) بِالرَّفْع لاحتمل أَن يكون "خلقناه" صفة مَحْضَة، وَأَن يكون خَبرا، فَكَانَ النصب لرفعه احْتِمَال غير الصَّوَاب أولى. فَهَذِهِ ثَلَاثَة مَوَاضِع كَانَ من حَقه التَّنْبِيه عَلَيْهَا هُنَا"٢.
والأمثلة على هَذَا الاتجاه فِي تَفْسِيره كَثِيرَة جدًّا، أكتفي بِمَا ذكرت، وَمن أَرَادَ الْوُقُوف عَلَيْهَا فَليُرَاجع مؤلفات أبي إِسْحَاق الشاطبي، رَحمَه الله تَعَالَى، خُصُوصا الِاعْتِصَام٣، والموافقات٤.

١ - سُورَة الْقَمَر، الْآيَة: ٤٩.
٢ - انْظُر: الْمَقَاصِد الشافية (١/٩٩، ١٠٠).
٣ - لَا يكَاد يمر خمس صفحات مِنْهُ إِلَّا وَيَأْتِي بِشَيْء من هَذَا.
٤ - انْظُر مِنْهَا (٣/٣١٣، ٣٣٣) (٤/٢٢٥، ٢٢٦، ٢٢٧، ٢٢٩، ٢٣٢، ٢٣٣).


الصفحة التالية
Icon