المبحث الرَّابِع: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي تَفْسِير الْقُرْآن بأقوال التَّابِعين وأتباعهم
اعتنى أَبُو إِسْحَاق الشاطبي - رَحمَه الله تَعَالَى - بِنَقْل أَقْوَال التَّابِعين وأتباعهم فِي الْآيَات الَّتِي فَسرهَا فِي كتبه، وَمَا ذَلِك إلاَّ معرفَة مِنْهُ بأهميّة أَقْوَالهم؛ لأَنهم - التَّابِعين رَحِمهم الله - أخذُوا غَالب علمهمْ عَن الصَّحَابَة، فحري بهم إِصَابَة الْحق فِي تَفْسِير كَلَام الله تَعَالَى.
وهاك بعض الْأَمْثِلَة نسوقها تقريرًا لهَذَا المبحث:
(١) قَالَ أَبُو إِسْحَاق: "وَعَن مُجَاهِد: ﴿قَصْدُ السَّبِيلِ﴾ ١أَي: المقتصد مِنْهَا بَين الغلو وَالتَّقْصِير"٢، وَذَلِكَ يُفِيد أَن الجائر هُوَ الغالي أَو المقصر، وَكِلَاهُمَا من أَوْصَاف الْبدع"٣.
(٢) وَقَالَ أَيْضا: "وَعَن عِكْرِمَة: ﴿وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ ٤يَعْنِي فِي الْأَهْوَاء ﴿إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّك﴾ ٥هم أهل السّنة"٦.

١ - سُورَة النَّحْل، الْآيَة: ٩.
٢ - أخرج مَعْنَاهُ الطَّبَرِيّ فِي تَفْسِيره (١٧/١٧٥) عَن مُجَاهِد وَابْن أبي حَاتِم فِي تَفْسِيره (٧/٢٢٧٨) وَكَذَلِكَ أورد هَذَا الْمَعْنى النّحاس فِي مَعَاني الْقُرْآن الْكَرِيم (٤/٥٧). ويبدو أَن هَذَا الْمَعْنى ثَابت عَن مُجَاهِد؛ فَإِن ابْن جرير أخرجه من عدَّة طرق، عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد، وَأخرجه أَيْضا من طَرِيق ابْن جريج عَن مُجَاهِد. وَأما تَفْسِير ابْن أبي حَاتِم المطبوع فَلم أَجِدهُ فِيهِ مُسْندًا.
٣ - الِاعْتِصَام (١/٧٨، ٧٩).
٤ - سُورَة هود، الْآيَة: ١١٨.
٥ - سُورَة هود، الْآيَة: ١١٩.
٦ - الِاعْتِصَام (١/٨٣). والأثر أخرج بعضه الطَّبَرِيّ فِي تَفْسِيره (١٥/٥٣٣) من طَرِيق سماك عَن عِكْرِمَة. وَأخرج بَعْضًا بِالْمَعْنَى عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس. انْظُر تَفْسِير الطبرى الْموضع الْمُتَقَدّم. وَكَذَلِكَ أخرج هَذَا الْبَعْض ابْن أبي حَاتِم فِي تَفْسِيره (٦/٢٠٩٣) من طَرِيق سماك عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس: "لَا يزالون مُخْتَلفين فِي الْهوى". وَسماك الْمَذْكُور، قَالَ فِيهِ ابْن حجر: صَدُوق وَرِوَايَته عَن عِكْرِمَة خَاصَّة مضطربة، وَقد تغير بأخَرَة فَكَانَ رُبمَا تلقّن. التَّقْرِيب رقم (٢٦٢٤).


الصفحة التالية
Icon