(٢) وَقَالَ - رَحمَه الله تَعَالَى، فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ ١الْآيَة -: "فوصفهم الله تَعَالَى بأوصاف، مِنْهَا: أَنهم أحْصرُوا فِي سَبِيل الله، أَي: منعُوا وحبسوا حِين قصدُوا الْجِهَاد مَعَ نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَأَن الْعذر أحصرهم، فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ضربا فِي الأَرْض؛ لاتخاذ الْمسكن، وَلَا للمعاش؛ لِأَن الْعَدو قد كَانَ أحَاط بِالْمَدِينَةِ، فَلَا هم يقدرُونَ على الْجِهَاد حَتَّى يكسبوا من غنائمه، وَلَا هم يتفرغون للتِّجَارَة أَو غَيرهَا لخوفهم من الْكفَّار؛ ولضعفهم فِي أوّل الْأَمر، فَلم يَجدوا سَبِيلا للكسب أصلا.
وَقد قيل: إِن قَوْله تَعَالَى: ﴿لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ﴾ ٢أَنهم قوم أَصَابَتْهُم جراحات مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فصاروا زمنى٣.
وَفِيهِمْ أَيْضا نزل قَوْله تَعَالَى: ﴿لِلْفُقَرَاءِ [الْمُهَاجِرِينَ] ٤ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ﴾ ٥أَلا ترى كَيفَ قَالَ: "أُخرجوا" وَلم يقل: (خَرجُوا من دِيَارهمْ وَأَمْوَالهمْ) ؟! فَإِنَّهُ قد كَانَ يُحتمل أَن يخرجُوا اخْتِيَارا، فَبَان أَنهم إِنَّمَا خَرجُوا اضطرارًا، وَلَو وجدوا سَبِيلا أَن لَا يخرجُوا لفعلوا، فَفِيهِ مَا يدل على أَن

١ - سُورَة الْبَقَرَة، الْآيَة: ٢٧٣.
٢ - سُورَة الْبَقَرَة، الْآيَة: ٢٧٣.
٣ - أخرجه ابْن أبي حَاتِم فِي تَفْسِيره (٢/٥٤٠)، عَن سعيد بن جُبَير بِإِسْنَاد رِجَاله مِنْهُم الثِّقَة، وَمِنْهُم الصدوق، وَأوردهُ السُّيُوطِيّ فِي الدّرّ المنثور (١/٣٥٨) وَنسب إِخْرَاجه إِلَى ابْن أبي حَاتِم وَغَيره.
٤ - مَا بَين المعكوفين سقط من النُّسْخَة المطبوعة الَّتِي بَين يَدي. وسقوطه سَهْو.
٥ - سُورَة الْحَشْر، الْآيَة: ٨. وَلم أَقف على من يَقُول: إِن هَذِه الْآيَة نزلت فيهم، إلاَّ عِنْد أبي إِسْحَاق.


الصفحة التالية
Icon