وأما يوسف فنموذج للرجل الواعي الحصيف(١)؛ فها هو ذا يلقى العنت من مراودة امرأة العزيز له فيأبى، ولا يفجؤه قدوم العزيز ومبادرة المرأة إلى اتهامه، بل يظل محافظا على رباطة جأشه ويرد بقلب ثابت ولسان صادق أنها هي التي راودته عن نفسه. وإذ يكون في السجن وقبل أن يفسر الرؤى فإنه يقدم لذلك بدعوتهما إلى التوحيد، ثم إنه لا يعين أي الرجلين هو الذي سيسقي ربه خمراً وأيهما الذي سيصلب فتأكل الطير من رأسه، كيلا يجزع الأخير. وعندما يأتيه من يطلب تأويل رؤيا الملك فإنه يقدم خطة عمل واستراتيجية لخمس عشرة سنة قادمة ولا يكتفى بالتأويل، ثم لا تستخفه دعوة الملك للخروج من السجن بل يطلب إعادة التحقيق في القضية، وتتجلى الحصافة كذلك في إكرام إخوته، وتأخير كشف نفسه لإخوته، ثم في إيواء شقيقه ووضع السقاية في رحله، والبدء بأوعيتهم قبل وعاء أخيه.
والصبر والحصافة قرينان إذ الصبر ضياء، وقد تجلى ذلك في صبر يوسف على أذى إخوته، وعلى السجن، وعلى البعد عن أهله ووطنه. وهذه الحصافة لم تخطئها فراسة العزيز وهو يقول لامرأته: ژ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ژ [ يوسف: ٢١ ]، ولم تخطئها أُذن الملك إذ قال له بعدما كلمه: ژ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ژ [ يوسف].
ومع الصبر كانت التقوى، بعدم استجابته للمراودة وبتكرار عبارة (معاذ الله) عند الدعوة إلى الفاحشة، أو ذكر ما يعني الظلم.

(١) …قطب، السابق، ( ص١٦٦-١٦٩).


الصفحة التالية
Icon