ب ) ومن أسباب تقديس البقرة وعبادتها ـ أيضاً ـ أنها رمز للقوة، إذ تثير الأرض وتسقي الحرث. والثور ـ ذكر البقرة ـ رمز أوضح للقوة؛ كما هي صورته في الأدب الشعبي والرسمي على حد سواء؛ وثمة أسطورة قديمة تقول بأن الأرض على قرن ثور، وهل أقوى من مخلوق يقدر على حمل كل هذا الثقل على قرن واحد، عند من يؤمن بهذه الأسطورة ؟ وفي المثل الرمزي ( أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض)(١)، حيث يصور قوة الثور قريبة من قوة الأسد، ويقارن قوته بقوته، حتى إنه ليعجز عن منازلة ثورين.
وثمة مثال آخر، وهو مصارعة الثيران في إسبانيا وغيرها؛ حيث إن الإنسان عندما يصارع الثور، لا يضيره صرع الثور أم صرعه، ثم يفخر بهزيمته له، اعترافاً منه بأن الثور أقوى منه بل هو رمز القوة، ما يهون عليه إن غلبه الثور أو أصابه. ولذلك أيضاً نجد حضوراً بارزاً للثور في آلهة الوثنيين، وقد ذكرنا الثور المجنح، كأحد آلهتهم في العراق القديم.
٢) أثر عبادة البقر
قال الدكتور حسن محمد باجودة:" ويلاحظ أن لفظ بقرة يجيء في الآيات الخمس خمس مرات، أربع منها بلفظ (بقرة)، ومرة واحدة بلفظ( البقر). ويبدو أن من أهم أسباب تكرار لفظ بقرة على لسان موسى عليه السلام مرات أربعاً، وإعادة لفظ بقرة بصريح اللفظ كل مرة يسألون فيها موسى عليه السلام ويلحفون في السؤال، من أهم أسباب بلادة أذهان السائلين وقصور إدراكهم، وكأن للقوم نصيباً مما اشتهر به جنس البقر من البلادة والبلاهة"(٢).
الصغير يقلد الكبير، والمغلوب يتابع الغالب، والناس على دين ملوكهم، وإذا ما قدّس أحدٌ أو عبد شخصاً أو شيئاً، فلا بد أن يسعى لتقليده والتشبه به والاقتباس من صفاته.

(١) …الميداني، مجمع الأمثال، ( ١/٥٦)، رقم (٨١).
(٢) …باجودة، حسن محمد، تأملات في سورة البقرة، ( ١/٣٩٨)، مكتبة مصر، ١٩٩٢، د. ط.


الصفحة التالية
Icon