وبعد قصة استخلاف آدم وبنيه، يأتي الحديث عن بني إسرائيل، الذين كانت فيهم الخلافة والإمامة الدينية زماناً، لينتهي إلى التيئيس من إيمانهم، وفضح دخيلاتهم، والرد عليهم في موضوع القبلة، وبيان علاقة القبلة ونبي الإسلام بإبراهيم عليه السلام الذي ينتسب إليه بنو إسرائيل، مع التأكيد على أن هذا الانتساب لا يفيد ما لم يكن انتساب إيمان واستقامة، فلا ينال عهد الله الظالمين، وبالتالي فقد انتزعت الخلافة والإمامة الدينية منهم.
قال أبو حيان عند قوله تعالى ژ ؟ ؟ ؟ ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ژ [البقرة]:" ثم ختم هذه الآيات بأمر بني إسرائيل بذكر نعمه السابقة، وتفضيلهم على عالمي زمانهم، وكان ثالث نداء نودي به بنو إسرائيل، بالإضافة إلى أبيهم الأعلى، وتشريفهم بولادتهم منه، ثم أعرض في معظم القرآن عن ندائهم بهذا الاسم، وطمس ما كان لهم من نور بهذا الوسم، والثلاث هي مبدأ الكثرة، وقد اهتم بك من نبهك وناداك مرة ومرة ومرة(١)".
وبعد النداءات الثلاثة الموجهة إلى بني إسرائيل لا يعود يتوجه الخطاب إليهم، وإنما تتحول الآيات الكريمة إلى المؤمنين الجدد تفصل لهم أركان دينهم، وشرائع إسلامهم، وتجيب على أسئلتهم، وتحرضهم على القتال لرد العدوان ولئلا تكون فتنة ويكون الدين لله؛ فإن الفتنة أكبر من القتل وأشد، وتتضمن التفصيلات التشريعية كذلك آيات عديدة حول أحكام الأسرة وبالذات أحكام الطلاق، ثم تأتي قصة الجهاد والخلافة، ( قصة طالوت) مسبوقة بقصة الهاربين من الموت لتؤكدا أن من يطلبون الموت هم الذين توهب لهم الحياة بعكس الذين يهربون منه، ومن ثم تأتي ثلاث قصص تركز على قضية البعث والحساب، فإنه لا تكون استقامة على أمر الله، ولا جهاد، ولا أداء لأمانة الخلافة، ما لم يكن يقين بالبعث والحساب.

(١) …أبو حيان، البحر المحيط، (١/٥٩٥).


الصفحة التالية
Icon