ومن الأمثلة : لو أنّ أحداً قال في قول ربنا تعالى: ﴿ ذلك الكتاب لا ريب فيه ﴾، أي : هذا القرآن لا ريب فيه لكان تفسيره قاصراً.. فهو قد قرَّب المعنى ولكنه لم يؤدِّه كاملاً.. لماذا؟ لأنه فسر ﴿ ذلك ﴾ الذي يُشار به إلى البعيد، بـ(هذا) الذي يُشار به إلى القريب. وإنما جاءت الإشارة إليه بـ ﴿ ذلك ﴾ للإشارة إلى بعد مكانته وعلو قدره، فكأنك تشير إليه وهو في الأفق البعيد مكانةً ودرجةً فتقول : ذااالك الكتاب.
من جهة أخرى يندرج تحت لفظ (الكتاب) من المعاني ما لا يندرج تحت لفظ (القرآن).. فَلَفْظُ " الْكِتَابِ " يَتَضَمَّنُ مِنْ كَوْنِهِ مَكْتُوبًا مَضْمُومًا مَا لَا يَتَضَمَّنُهُ لَفْظُ الْقُرْآنِ مِنْ كَوْنِهِ مَقْرُوءًا مُظْهَرًا بَادِيًا
ولهذا كان تفسيرهم تقريباً للمعنى.
ومنه تفسيرهم لقول ربنا – في سورة الأنعام- :﴿ وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ ﴾، أن تبسل أي : لئلا تبسل. منهم من قال: تُحبس. ومنهم من قال: تُرتَهن. والمحبوس قد يكون مرتهناً وقد لا يكون، ولذا فهذا تقريب للمعنى.
ولما كانت أقوال المفسرين لا يمكن أن ترادف اللفظَ القرآني كان جمعُ جميع أقوالهم في الآية أحسن وأكمل، لأن زيداً ينبهك على معنىً لم يَفْطِن له عمروٌ.
ومن التفاسير التي عُنيت بجمع الأقوال تفسير الطبري، وابنِ كثير، وزاد المسير لابن الجوزي.
ثم قال رحمه الله :". وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ عَامَّةَ مَا يُضْطَرُّ إلَيْهِ عُمُومُ النَّاسِ مِنْ الاتفاق مَعْلُومٌ بَلْ مُتَوَاتِرٌ عِنْدَ الْعَامَّةِ أَوْ الْخَاصَّةِ كَمَا فِي عَدَدِ الصَّلَوَاتِ وَمَقَادِيرِ رُكُوعِهَا وَمَوَاقِيتِهَا وَفَرَائِضِ الزَّكَاةِ وَنُصُبِهَا وَتَعْيِينِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَالطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ وَرَمْيِ الْجِمَارِ وَالْمَوَاقِيتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.


الصفحة التالية
Icon