وتعني الصرفة في الاصطلاح : أن الله صرف همم العرب عن معارضة القرآن، وكانت في مقدورهم، لكن عاقهم عنها أمر خارجي، فصار معجزة كسائر المعجزات، ولو لم يصرفهم عن ذلك، لجاءوا بمثله. (١)
وقد اختلف القائلون بالصرفة في بيان حقيقة ما يقصده هؤلاء بالصرفة، فقالوا : إن الله سبحانه- لأجل إثبات التحدي -حال بين فصحاء العرب وبلغائهم، وبين الإتيان بمثل القرآن بأحد الأمور الثلاثة التالية:-
١-صرف دواعيهم وهممهم عن القيام بالمعارضة، فكلما هموا بها، وجدوا في أنفسهم صارفا ودافعا يصرفهم عن منازلته في حلبة المعارضة، ولم يكن ذلك لعدم قدرتهم عن الانصداع لهذا الأمر، بل إن المقتضي فيهم كان تاما، غير أن الدواعي والهمم صارت مصروفة عن الالتفات لهذا الأمر، ولولا ذلك لأتوا بمثله.
٢- سلبهم - سبحانه - العلوم التي كانت العرب مالكة لها ومتجهزة بها، وكانت كافية للإتيان بما يشاكل القرآن، ولولا هذا السلب لأتوا بمثله.
٣-إنهم كانوا قادرين على المعارضة، ومجهزين بالعلوم اللازمة لها، ولكن الله منعهم بالإلجاء على جهة القسر من المعارضة، مع كونهم قادرين، فتقهقروا في حلبة المعارضة لغلبة القوة الإلهية على قواهم. (٢)
وقد بين جمهور العلماء، أن الصرفة بكل صورها، تسلب الإعجاز الذاتي للقرآن، وأنها وهم ذهب إليه خيال القائلين بها، دون سند، أو دليل.
المبحث الثاني
مصدر القول بالصرفة
(٢) - العلوي : الطراز -ج٣/ ص٢٩١. وانظر العماري : حول اعجاز القرآن - سلسلة الثقافةالإسلامية، عدد: ٤٤. والخالدي : البيان في اعجاز القرآن، ص ٨٢-٨٣.