الحقيقة الأولى :- أن قريشا مع شدة ملاحاتها للنبي - ﷺ -، ومع أن القرآن قد ذكر آباءهم بغير ما يحبون، وذكر أوثانهم بغير ما يؤمنون، لم يتحركوا لأن يقولوا مثله، إذعانا لبلاغته وفصاحته، مع أن القرآن تحداهم أن يأتوا بمثل أقصر سورة منه، فما فعلوا لئلا يسفوا في تفكيرهم، فدل هذا على عجزهم المطلق، ( إذ نابذوه وناصبوه الحرب، فهلكت النفوس، وأريقت المهج، وقطعت الأرحام، وذهبت الأموال، ولو كان ذلك في وسعهم، وتحت مقدورهم لم يتكلفوا هذه الأمور الخطيرة، ولم يركبوا تلك الفواقر المبيرة، ولم يكونوا تركوا السهل الدمث من القول، إلى الحزن الوعر من الفعل، وهذا ما لا يفعله عاقل، ولا يختاره ذو لب راجح..) (١)
الحقيقة الثانية :- أن القرآن جذب كثيرا من العرب إلى الإيمان بما فيه من قوة بيان وإيجاز معجز، وأقوال محكمة، وقصص تطول وتقصر، وهي مملوءة بالعبر في طولها وقصرها، وإطنابها الرائع، وإيجازها الذي لا يدع صغيرة ولا كبيرة إلا أوفاها حقها، بالعبارة الناصعة، والإشارة الواضحة، فأدركوا أن إعجازه ذاتي، نابع منه، وأنه فوق طاقة البشر. وهذا يقودنا إلى أن القول بالصرفة قول باطل، وساقط عن الاعتبار، وإن قال به نفر من أعلام العلماء، فالحق لا يعرف بالرجال، وإنما يعرف بسلامة الاستدلال.
وأن إعجاز القرآن ذاتي، فهو معجز بنظمه، وصحة معانيه، وتوالي فصاحة ألفاظه، مما جعل العرب يستعظمون بلاغة القرآن وفصاحته، ولو كانوا مصروفين عن المعارضة، لكان تعجبهم للصرف، لا للبيان المعجز، ولو كان هناك سلب لعلومهم، لكان الفرق بين كلامهم بعد التحدي وكلامهم قبله، كالفرق بين كلامهم بعد التحدي وبين القرآن، ولما لم يكن كذلك، بطل القول بالصرفة.
مراجع البحث