وقد أ لمح الدكتور أحمد فؤاد الأهواني إلى أسباب هذا الغزو الفكري فقال :( كان معظم المشتغلين بالعلم والفلسفة نصارى، وصابئة، وكان من الطبيعي أن يعنى بالفلسفة أولئك الذين كانوا من المشتغلين بها قبل دخولهم في الإسلام، وكان أغلبهم من السريان، والصابئة، ولقد كتب كثير من اليهود، والنصارى، والصابئة، مؤلفات باللسان العربي، بعد انتشار الإسلام، واستقرار قواعد الدولة الإسلامية.) (١) فلا غرابة في انتقال قول البراهمة في كتابهم المقدس - الفيدا -، إلى بعض المسلمين، عن طريق المشتغلين بالفلسفة، أو الذين يتلقفون كل وافد من الأفكار، ومنها فكرة الصرفة.
وقد خالف الدكتور أحمد أبو زيد كثيرا من الباحثين حين قال :( فإيراد قضية إعجاز القرآن في سياق هذا البحث المتعلق بالصرفة، وفي معرض الرد على الدهريين، يفيد بأن هذه النظرية إنما وضعت للدفاع عن القرآن، وتنزيهه عن مطاعن الملحدين. ) (٢) فهو يرى بأن المعتزلة وضعت هذه النظرية للدفاع عن القرآن، ولا ينكر أحد دور المعتزلة في الدفاع عن القرآن، وبيان إعجازه، وأسراره البيانية، إلا أن عدم اتفاقهم علىمفهوم واحد لنظرية الصرفة، يدل على أنها لم تصدر عن عقيدتهم في كلام الله، وفي خلق القرآن، لذا أميل إلى ما ذكره كل من البيروني، والبغدادي، والشهرستاني، من أقوال - ذكرت بعضها وسأذكر بعضها الآخر - تبين مصدرها الخارجي، وإن نشأت وترعرعت في بيئة الإعتزال.
ولأن رواج نظرية - الصرفة-، يؤدي إلى أن القرآن الكريم ليس في درجة من الفصاحة والبلاغة تمنع محاكاته، وتعجز القدرة البشرية عن أن تأتي بمثله.
المبحث الثالث
القائلون بالصرفة من المعتزلة
(٢) - د. أحمد أبو زيد : الإستدلال العقلي على إعجاز القرآن، ص٢٥٧.