جاء في الكشاف (والحبّ: كل ما حصد من نحو الحنطة والشعير وغيرهما، والقضب: الرطبة، والمقضاب أرضه، وسمى بمصدر قضبه إذا قطعه؛ لأنه يقضب مرة بعد مرة، ﴿وَحَدَائِقَ غُلْباً﴾ يحتمل أن يجعل كل حديقة غلباء فيزيد تكاثفها وكثرة أشجارها وعظمها، كما تقول: حديقة ضخمة، وأن يجعل شجرها غلبا: أي عظاما غلاظا، والأب: المرعى؛ لأنه يؤب، أي: يؤم وينتجع، والأب والأم أخوان١.
فالآيات السابقة بيان لقدرة الله وعظمته في الإبانة عن منشأ النبات وتعدده، والارتباط الوثيق بين الحيوان والنبات؛ فالكائن الحي لا يتغذى إلا من أصله الذي تكون منه، ولذا أمر الإنسان أن يتدبر قصة طعامه، الذي هو ألصق شئ به، وسيجد أنه من الطين والماء.
إن الله صبّ الماء من السماء صبّا، ثم شق الأرض بجذر النبات، شقّه شقّا فأنبت فيها حبّا وعنبا وقضبا.
وصبّ الماء في صورة المطر حقيقة يعرفها كل إنسان في كل بيئة، وفي أي درجة كان من درجات المعرفة والتجربة، والله الذي لا شريك له هو الذي صبّ الماء، وهو الذي قدّر أن يكون الماء العامل الأول في خلق كل نبات، ولنا عود لهذا الموضوع بعد قليل.
ثم تأتي المرحلة التالية لصبّ الماء، وهى شق الأرض شقا بجَذر النبات؛ لتتكون الجذور الممتدة خلال التربة، أو أن يشق النبت تربة الأرض شقا بقدرة الله الخالق، وينمو على وجهها، ويمتد في الهواء فوقها، وربما شقت النبتة الصفراء الملتوية الهشة الأرض الصلبة الجافة، أو الصخرة العاتية نافذة إلى أعلى مكوّنة الساق والأوراق.
إذن على الإنسان أن ينظر إلى طعامه الذي به قوامه، كيف تفضل الله به عليه؛ فصار في أشد الحاجة إليه، وكيف حوّل الله له بعض عناصر الأرض طعاما هنيئا في شكل جميل ولون جذاب، وطعم مستساغ حلو المذاق.
وجعل الله هذا الأصل الواحد أزواجا وأشكالا، من حيث هو مأكول كالقمح والذرة والفول وغيرها من البقول، أو هو فاكهة لذيذة كالعنب والنخيل، وغير هذا كثير مما يؤكل قضبا كالقثاء والتفاح، وهذه الحدائق الفيح الملتفة الأغصان، وهذه السهول الخضر.. كلها متاع للإنسان والأنعام.
والنبات إنما ينشأ من تراب وماء، والله هو الذي أوجد الماء، وأنزله من السماء بنظام وقدر موزون، وقد تكرر ذكر الماء كثيرا في القرآن الكريم في صدد الحياة والإنبات قال تعالى: