وقد كنت منذ أن اشتغلت بالقراءات القرآنية أقلِّب الفكر في مسألة واحدة وهي: ما الحكمة من تعدد القراءات المتواترة؟ على الرغم من أن مصدرها واحد، ولماذا كتبت في المصاحف بوجه واحد؟ ولماذا غابت عن الرسم الوجوه المتواترة الأخرى؟ مع أن الشاهد منها ليس أوثق إسناداً من الغائب، ولا هو أثبت في الاستدلال من أخيه، إذ سائر المتواتر في الثبوت والدلالة سواء، فقد حسم الأئمة القراء هذه المسألة قديماً، واستقر الإجماع على المتواتر، واعتقدته الأمة قرآناً، وأصبح ما أُثر عن الأوَّل من رد متواتر أو الإنكار عليه، محمولاً على سبب واحد وهو عدم ثبوت التواتر لديه لا غير.
وقد كتب كثير من العلماء في حكمة القراءات المتواترة وأثرها في الرسم واللغة والفقه، ولكن بقي هذا الجهد في إطار العرض العام للمسألة، من غير أن يتناولها باحث بقلم الإحاطة والحصر، وهو بحث لابد منه ليتبين للناس ما غاب عنهم من دلالات المصحف الشريف الذي هو ولا ريب أساس التشريع والأحكام لهذه الأمة عبر تاريخها التشريعي.
وهكذا فقد تبدَّت لي معالم البحث الذي تخيرته، ووافقت عليه الجامعة الكريمة وعينت مديرها العلامة الدكتور أحمد علي الإمام مشرفاً على الرسالة، ثم التمست الجامعة الكريمة من الأستاذ الدكتور المفسر وهبة الزحيلي أن يتكرم بمتابعة الإشراف العلمي على الرسالة (ا).
ولدى موافقته الكريمة فإنني أكون قد استوفيت أسباب هذه الدراسة، والتي أعد نفسي قد شرعت فيها منذ وقت طويل.
وعقب جلسات متواصلة خصني بها أستاذي الدكتور وهبة، وجلَّى لي فيها أصول البحث العلمي ووسائله، وحدد لي منهج البحث وخطوطه العريضة استعنت بالله تعالى وشرعت بالمقصود.
ويمكن تحديد أغراض الرسالة في المقاصد التالية (٢):