الفصل الثاني: نقط القرآن الكريم وشكله
المبحث الأول: مرحلة شكل القرآن وعلاقتها بضبط القراءات
كان القرآن الكريم في الكَتْبَةِ الأولى ثم في مصاحف عثمان بغير نقط ولا شكل، ولم يكن ثمة إشكال في هذا الجانب، إذ الأمة إنما تتلقى القراءة بالمشافهة، وعلى ذلك العمدة، السلائق سليمة والحفاظ متوافرون.
ولكن ذلك لم يدم طويلاً بعد عثمان رضي الله عنه إذ اختلط الناس عقب حركة الفتوح بالأعاجم ودخل الموالي والأعاجم في الإسلام، ولا شك أن كل مسلم مأمور بقراءة القرآن الكريم، وبوسعك أن تتصور مدى الحاجة المؤكدة لتيسير تلاوة القرآن للناس.
ولن نطيل هنا في القراءة التاريخية لمراحل شكل القرآن، فهذا مما كثرت فيه الدراسات، وتعددت حوله الروايات، وغاية ما نذكره هنا أن عملية شكل القرآن الكريم بدأت في زمن الخليفة الراشدي علي بن أبي طالب، وقد عهد بها إلى بعض كبار أئمة النحو أمثال أبي الأسود الدؤلي(٥٤٢)، ويحيى بن يعمر(٥٤٣)، والحسن البصري(٥٤٤)،
ونصر بن عاصم الليثي(٥٤٥)، ولا يمكنك هنا الجزم بنسبة شكل القرآن الكريم إلى واحد من هؤلاء الأربعة إذ هو لم يتم بالتأكيد بين يوم وليلة، ولم يصدر عن رجل منهم في غداة فحظي بإجماع الأمة في عشية، بل ظل في الناس من يكره ذلك كله وينكره، ومن يدعو إلى تعديله وإصلاحه، ومن يدعو إلى اعتماده، وكان أشهر من يعارض ذلك كله الصحابي الجليل: عبد الله بن مسعود الذي كان يقول: جردوا القرآن ولا تخلطوه بشيء(٥٤٦)؛ بل نقل عن مجاهد من أئمة التابعين أنه كره تطييب المصاحف بالطيب أو وضع أوراق الورد بين صحائفها، ولكن ذلك الاتجاه رَكَنَ في النهاية إلى ضرورة الشكل في القرآن الكريم، وكان من أول الآراء الواعية الناضجة لذلك رأي الإمام مالك الذي يقول فيه: لا بأس بالنقط والشكل في المصاحف التي تتعلم فيها العلماء أما الأمهات فلا(٥٤٧).


الصفحة التالية
Icon